تمر اليوم ذكرى بدء حفر قناة السويس ، والتي تربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، وذلك في مثل هذا اليوم عام 1859، ولكن الفكرة بدأت عام 1798 مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر، ففكر نابليون فى شق القناة إلا أن تلك الخطوة لم تكلل بالنجاح، وفى عام 1854 استطاع ديلسبس إقناع محمد سعيد باشا بالمشروع وحصل على موافقة الباب العالى، فقام بموجبه بمنح الشركة الفرنسية برئاسة ديلسبس امتياز حفر وتشغيل القناة.
بدأت أعمال حفر القناة قريبًا من موقع مدينة بورسعيد الحالية، وكان فى بداية الأمر بطيئا لما يحيط به من صعوبات، وأهمها قلة تدرب عمال السخرة، وصعوبة الحصول على الماء الذى يستقون منه قبل أن يتم حفر الترعة العذبة، ولما كانت الشركة فقيرة ـ بالنسبة لعظم المشروع ـ استعان ديلسبس على هذه الصعوبات بالسعى فى حمل سعيد باشا على الإكثار من العمال المسخرين دون مراعاة للاتفاق الأصلى، فصارت تساق الآلاف من الفلاحين يحرسهم الجنود إلى الترعة، حيث يشتغلون طوال اليوم تحت مراقبة حراس مسلحين بالسياط.
وكشف كتاب "تاريخ مصر من الفتح العثمانى إلى قبيل الوقت الحاضر"، لـ سليم حسن وعمر الإسكندرى، أن عدد الذين يشتغلون في حفر الترعة لا يقل عن 25000 عامل دون أجر، وينوب عنهم مثلهم فى كل ثلاثة أشهر، وكانوا يعيشون على الشظف، وأودى بحياة الكثيرين منهم ما كانوا يقاسونه من الجوع والظمأ والعرى وحر الصيف وبرد الشتاء وإجهاد الجسم والبؤس، وكان كلما هلك منهم أحد أتى بغيره من الفلاحين، ولو تم مشروع حفر الترعة على حسب الاتفاق الأصلى لسبب نقصا عظيمًا في تعداد سكان البلاد.
وأشار الكتاب إلى أن هذا الأمر شاع وأصبح من الفضائح حتى في مصر، وتناولته ألسنة المعارضين لحفر الترعة وخاصة إنجلترا، وكان اللورد بالمرستون رئيس الوزراة الإنجليزية في ذاك الحين يعارض فى أمر تسخير الفلاحين، لأنه من جهة يعتبره ضربًا من الاسترقاق، ومن جهة أخرى كان لا يريد أن يرى النفوذ الفرنسي يسود في مصر، وبقى الحالي كذلك إلى أن تولى الخديوى إسماعيل باشا في يناير 1863، ولم يكن للشركة لديه تلك الخطوة التي كانت لها عند سعيد، فرأى أن ما نالته من الامتيازات مجحف بحقه وحق مصر، وشرع يعمل على إلغاء شيء منها، ولكيلا يكون سبب في إفلاس الشركة وإغضاب الشعب الفرنسي وإمبراطورهم نابليون الثالث أمد الشركة بمعونة مالية، بأن دفع لها مبلغ 20000000 جنيه كان مستحقًا على سعيد باشا ثمنا لأسهم اشتراها عددها 177642، وطالب من لباب العالى إنقاص عدد العمال الذين يحفرون القناة، على أن ترد الشركة للحكومة المصرية ما منحه إياها سعيد باشا من الأراضى عام 1856م، فصادف الاقتراح ارتياحًا من الباب العالى.
ولكن حكم نايليون الثالث بأن يدفع إسماعيل باشا غرامة 3360000 جنيه نظير إخلاله بشروط الاتفاق الأصلى بشأن أعمال السخرة وغيرها. وبهذا الحل تم استبدال عمال مدربين بعمال السخرة.