نواصل مع المفكر العربي الكبير جواد على (1907 – 1987) قراءة تاريخ العرب وأيامهم وما وقع لهم من أحداث، وذلك من خلال كتابه المهم "المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" ونتحدث اليوم على قصة "أبرهة".
يقول جواد على:
abraham وabramios هما اسمان لمسمى واحد، أريد به "أبرهة" المشهور عند أهل الأخبار الذى اغتصب الملك باليمن، ونصب نفسه حاكمًا عليها، ولقب نفسه بألقاب الملوك، وإن اعترف اسميًّا بأنه "عزلى ملكن أجعزين"، أي "نائب ملك الأجاعزة" على اليمن، وحكم اليمن أمدًا، وترك فى نفوس اليمانيين أثرًا قويًّا.
ويرى بعض الباحثين أن "كالب أيلا أصبحة"، كان قد أرسل حملة سنة "523" للميلاد على اليمن، حملتها إليها سفن بيزنطية، نزلت في البلاد وتغلبت على "ذى نواس" فهرب "ذو نواس" من "ظفار"، ثم عاد فباغت الحبش وأنزل بهم خسائر كبيرة، واضطهد النصارى وعذبهم.
فحمل النجاشى على إرسال حملة جديدة عليه نزلت اليمن سنة "525" للميلاد، وصارت فى أيدى الحبش حتى سنة "530" للميلاد، إذ قامت ثورة على الحبشة، وانتهز "أبرهة" الفرصة، فأخذ الأمر بيديه، وبقي حاكمًا على اليمن منذ هذا الوقت تقريبًا حتى سنة "575" للميلاد، وكان قد انتزع الحكم من "السميفع أشوع"، الذى نصبه الحبش ملكًا على اليمن حين دخولهم إليها وعينوا رجلين من الحبش يحكمان معه ويراقبان أعماله لئلا يقوم بعمل يضر مصالحهم.
ولأهل الأخبار روايات عن كيفية استئثار "أبرهة" بالحكم واغتصابه له.
لهم رواية تقول: إنه جاء إلى اليمن جنديًّا من جنود القائد الحبش "أرياط" الذي كلفه نجاشى الحبشة بفتح اليمن، فلما أقام باليمن سنين، نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشى، حتى تفرقت الحبشة، وخرج أبرهة على طاعة قائده، ثم غدر به وأخذ مكانه.
ورواية أخرى، تقول إن النجاشى أرسل جيشًا قوامه سبعون ألفًا، جعل عليه قائدين، أحدهما: أبرهة الأشرم، فلما ركب ذو نواس فرسه واعترض البحر فاقتحمه وهلك به، نصب أبرهة نفسه ملكًا على اليمن، ولم يرسل له شيئًا، فغضب النجاشي ووجه إليه جيشًا عليه رجل من أصحابه، يقال له أرياط، فلما حل بساحته، بعث إليه أبرهة: "أنه يجمعني وإياك البلاد والدين، والواجب علي وعليك أن ننظر لأهل بلادنا وديننا ممن معي ومعك، فإن شئت فبارزني، فأينا ظفر بصاحبه كان الملك له، ولم يقتل الحبشة فيما بيننا".
فرضي بذلك أرياط، وأجمع أبرهة على المكر به، فاتعدا موضعًا يلتقيان به، وأكمن أبرهة لأرياط عبدًا يقال له: "أرنجده، في وهدة قريب من الموضع الذي التقيا فيه، فلما التقيا سبق أرياط فزرق أبرهة بحربته، فزالت الحربة عن رأسه وشرمت أنفه، فسمى الأشرم، ونهض أرنجده من الحفرة، فزرق أرياط فأنفذه، فقتله"، وأخذ أبرهة الحكم لنفسه، واستأثر به.
وتذكر رواية أخرى، أن النجاشي كان قد وجه أرياط أباصحم "ضخم" فى أربعة آلاف إلى اليمن، فدخلها وغلب عليها، فأعطى الملوك، واستذل الفقراء، فقام رجل من الحبشة يقال له أبرهة الأشرم أبو يكسوم، فدعا إلى طاعته، فأجابوه، فقتل أرياط، وغلب على اليمن.
وتذكر رواية أن "أرياط" أخرب مع ما أخرب من أرض اليمن سلحين وبينون وغمدان، حصونًا لم يكن في الناس مثلها. ونسبوا في ذلك شعرًا إلى "ذي جدن"، زعموا أنه قاله في هذه المناسبة، ويظهر من روايات أخرى أن تلك الحصون بقيت إلى ما بعد أيامه، وذكر أن "أرياط" كان فوق أبرهة، أقام باليمن سنتين في سلطانه لا ينازعه أحد، ثم نازعه أبرهة الحبشي الملك.
وتجمع روايات أهل الأخبار على أن النجاشي غضب على أبرهة لما فعله باليمن ولا أقدم عليه من قتل أرياط، وأنه حلف ألا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده، ويجز ناصيته، ويهرق دمه.
فلما بلغ ذلك أبرهة، كتب إلى النجاشي كتابًا فيه تودد واعتذار وتوسل واسترضاء. فرضي النجاشي عنه، وثبته على عمله بأرض اليمن.