واحدة من أكثر الفرق الكلامية إثارة للجدل على مدار التاريخ الإسلامى كانت فرقة الجمهية، فهناك من يرون أنها فرقة تأويلية تنزع للعقل، بينما ينظر أغلب أئمة أهل السنة والجماعة إليها على أنها فرقة مارقة وذات أفكار وعقائد فسادة، بل وينكرون نسبتها إلى الإسلام.
والجهمية وهم من فرق المرجئة التى برزت فى نهاية العهد الأموى بـ (ترمذ) إحدى نواحى خراسان من إيران، وغلب عليها هذا الاسم نسبة إلى مؤسسها جهم بن صفوان، ويقال لهم مرجئة أهل خراسان، ويعدون من الجبرية، وترمى معتقداتهم إلى إرجاع المسلمين إلى العقائد السائدة فى العصر الجاهلى.
وبحسب أحد المواقع الإسلامية، ترجع نشأة فرقة "الجهمية" إلى الجعد بن درهم، الذى ولد فى إقليم خراسان بالشرق ثم هاجر إلى دمشق، حيث أقام هناك، وكان يتردد إلى أحد كبار علماء التابعين، وهو وهب بن منبه، ويسأله كثيرًا عن صفات الله عز وجل، الأمر الذى كان "وهب" يستاء منه وينهاه عن الإغراق فيه.
ويشار إلى أن الجهمية فرقة ظهرت قبل المعتزلة وقالت بالجبر وخلق القرآن ونفت الصفات وأنكرت الرؤية السعيدة، فلما قام المعتزلة أخذوا عن الجهمية أقوالها فى خلق القرآن ونفى الصفات والرؤية، فأطلق عليهم أهل السنة اسم الجهمية، وصاروا يعرفون به عندهم.
وكان من أبرز عقائد الجهمية القول بنفى الصفات عن الله، وأنه لا يجوز وصف البارى سبحانه بصفة يوصف بها خلقه، وأن الإنسان لا يقدر على شىء ولا يوصف بالقدرة ولا الاستطاعة وأن الجنة والنار يفنيان وتنقطع حركات أهلهما، ومن عرف الله ولم ينطق بالإيمان لم يكفر، وانفردوا بجواز الخروج على السلطان الجائر وقالوا بخلق القرآن، وزعموا أن علم الله حادث وغير ذلك من الأفكار.
وأفتى علماء ودعاة السلف آنذاك بمروق "الجهمية" من الدين، وقال أبو حنيفة فيه إنه كافر ضال لما بلغه من مخالفاته الكثيرة لعقيدة أهل السنة والجماعة، وذكر الفقيه ابن قيم الجوزية في قصيدته المعروفة باسم "النونية"، أن خمسمائة من علماء البلدان المختلفة أفتوا بذلك، ما أوجد مسوغًا شرعيًّا قويًّا للأمويين فى شن الحرب عليهم بعد انضمامهم للتمردات التى حدثت فى الولايات الشرقية من الدولة.
انتقل الجهم بن صفوان إلى ترمذ ـ إحدى نواحى إيران ـ وبدأ الدعوة لمذهبه، فانتشرت عقائده فيها، ثم وجدت لها أتباعاً ومريدين فى نهاوند ـ مدينة من مدن إيران، ويعتقد أن فيها أتباع لهذه الفرقة حتى الآن، بينما يرى آخرون أنها انحسرت، حيث يقال إنها استمرت بعد مقتل الجهم بن صفوان عام 128هـ، لكن مع بداية القرن الثالث بدأت بالانحسار، ويرى بعض العلماء والمؤرخون أن الجهمية لم تنته فعلاً، فقد جاء بعدهم من وافقهم في بعض معتقداتهم، فى إشارة إلى المعتزلة.