يروق لى دائما فى قراءة لوحات الفن التشكيلى تأمل الوجوه، خاصة وجوه الصبية، لأنها عادة ما تكون أكثر دهشة من بقية التفاصيل، وذلك ما نجده فيما رسمه المستشرق النمساوى لودفيج دويتش، الذى عاش فى الفترة بين 1855-1935م ومن ذلك لوحة "بائع السحلب فى القاهرة" 1890م.
فى اللوحة تتجه الأنظار إلى مشروب "السحلب" فالبائع يأخذ من إنائه ليضع فى الكوب، فنرى العيون شاخصة إلى هذه الحركة كأنها من أفعال السحرة، والفتى ذو الجلباب الأزرق الذى يشرب من كوبه كل تركيزه فيما يفعله، والبنت الكبرى تنظر إلى أختها الصغرى التى تشرب نصيبها من "السحلب" ومن الواضح أنهما تشتركان معا فى كوب واحد.
ويهتم لودفيج دويتش بالتفاصيل حتى قيل إنه كان عادة يرسم المنظر على ورق ثم يعمل عليه بعد ذلك بهدوء فى مرسمه كى يخرج بالصورة التى ترضيه، بصورة تكاد تقارب "الصورة الفتوغرافية" بالفعل، ويكفى أن تنظر إلى الباب الخشبى الذى على يمين الصورة وتتأمل لونه وما لحق به من خربشات لم تغفلها اللوحة كى تدرك الدقة فى الرسم والإبداع فى التنفيذ.
ومن الاهتمام بالتفاصيل أيضا تعدد الألوان فى اللوحة، فى الوقت نفسه الذى تنسجم هذه الألوان المتعددة مع الجو العام الكرنفالى للعمل، فنلحظ درجة من الاحتفال، تظهره كل الملابس فى اللوحة المختلفة بما يشير إلى رغبة الفنان فى تقديم أكبر قدر ممكن من المتعة فى عمله الفنى.