لم يشغف الفنانون العالميون بمعمار القاهرة فقط، لكن طباع الناس وحياتهم كانت شاغلا أيضا لريشاتهم الفنية، وذلك لأن الحياة حافلة بالمشاعر التى تقدم طبيعة أهل البلد، ومن ذلك لوحة "اختباء" للفنان البريطانى والتر تشارل هورسلى، الذى عاش فى الفترة من 1855 – 1934.
في اللوحة، نحن فى حارة قاهرية بامتياز، المبانى الحجرية تدل على عراقة المكان وأثريته، والأشخاص يبدون فى خلفية الحارة يؤكدون مصريتها، رجل يهم بدخول بيت، وامرأة تجلس لتبيع ما يبدو لنا ثمار طماطم، وبجانبها "جرة" ربما تحتوى عسلا أو جبنا، ملابسها السوداء توحى بشيئين "فقرها وأنها أرملة".
أما أبطال اللوحة فهما طفل وأمه، يلعبان معا لعبة "الاستغماية"، هى سبقته واختبأت فى أول منعطف، وهو يبحث عنها، لكن ما يلفت الانتباه، أنه اختباء مرح، ليس الغرض منه إزعاج الطفل، لكنه ممارسة لمرح الأمومة فى الشوارع، عينا الطفل تتجهان صوب الجهة التى تختبئ فيها الأم، التى تقف على طرف المكان حتى يبدو جلبابها لعينى الطفل واضحا تماما إذا ما اقترب من مكانها.
تعكس ملابس المرأة المصرية، أنها شابة، وأن زوجها حيا يرزق، فالملابس المشجرة فى تاريخ مصر من حق الفتيات الصغيرات أو النساء اللواتى لم يسلب الزمن منهن أزواجهن، وتكشف ملامحها أنها وابنها من طبقة "شعبية" فقراء، وهى الآن لا تخبئ وجهها، وتمارس نوعا من طفولتها التى ودعتها مبكرا.