نشاهد اليوم لوحة "مشعل القناديل فى شوارع القاهرة" للفنان لودفيج دويتش، والتى أبدعها فى عام 1900، وتمثل مرحلة من حياة القاهرة القديمة فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، عندما كانت مصابيح القاهرة تضاء ليلا، بواسطة رجال معينون لهذه المهمة.
واللوحة فى مجملها تعود بنا إلى الشوارع التراثية القديمة، حيث القناديل المملوكية الشكل، التى لا تزال نجد بعضها فى المساجد التراثية حتى الآن، والدالة على تاريخ المدينة وتاريخ أهلها.
والفنان النمساوى لودفيج دويتش عاش خلال الفترة من (1855-1935) وعن علاقته بـ القاهرة كتب نبيل رمضان فى مجلة القافلة يقول: استوقفه فى هذه المدينة بشكل خاص العسكريون النوبيون الذين كانوا يحرسون القصور والمبانى العامة، فرسمهم فى لوحات عديدة، بتركيز شديد وواضح على كبريائهم وقوة بنياتهم وأبهة مظاهرهم وملابسهم.. ورسم مشاهد من حياة العامة، مثل "بائع السحلب" و"لاعبا الشطرنج"، كما رسم مناسبات مميزة مثل "المحمل"، الذى يمثل انطلاق موكب نقل كسوة الكعبة المشرفة من القاهرة إلى مكة المكرمة.
كان دويتش يكتفى فى القاهرة بإنجاز الرسوم التحضيرية على الورق، لينجز لاحقاً اللوحة الزيتية فى محترفه فى باريس بأسلوب واقعى دقيق حتى الحدود القصوى، جعل كثيراً من النقاد يجزمون أنه كان يعتمد ولو جزئياً على الصور الفوتوغرافية، إذ إن هذا الالتزام برسم أصغر التفاصيل بدقة شديدة لم يكن مألوفاً عند معاصريه، ولم يظهر إلا بعده بنحو نصف قرن فى "الواقعية الفائقة" أو "الواقعية الفوتوغرافية" التى ظهرت فى أمريكا.