مصطلح "التنمر" جديد بعض الشىء، إلا أن الظاهرة التى تمثله آفة ليست بالجديدة عانت منها المجتمعات حول العالم، وأصبحت من الأفعال المتكررة، حتى وجب التدخل بسن القوانين الأخلاقية التى تجرم هذا الفعل السيئ، ويعرف التنمر على أنه شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة تكون أضعف (فى الغالب جسديا)، وهو من الأفعال المتكررة على مر الزمن.
وفى مجتمعنا المصرى أصبحنا نجد تلك الظاهرة متكررة بشكل منافى للتعاليم الأخلاقية والدينية، مما دعا الحكومة المصرية لمواجهة تلك الظاهرة التى تسبب زيادة النبذ المجتمعى، ويأتى ذلك فى ضوء تزايد ظاهرة التنمر وتناميها بصورة تشكل خطراً على المجتمع المصري، ما استدعى التعديل لتحقيق العدالة الاجتماعي.
وافق مجلس الوزراء، على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، بإضافة مادة جديدة لقانون العقوبات، برقم (309 مكرراً ب)، والتى أوردت تعريفاً للتنمر، ووصلت عقوبة الشخص المتنمر فى التعديل الجديد للقانون: عقاب المتنمر بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
لكن يبقى السؤال، بما أن كانت تلك الظاهرة متكررة، وقديمة من قدم البشر، فكيف نظرت الحضارات والثقافات الأخرى للعادات السيئة من التنمر والإساءة من الناس أو التقليل منها؟
الحضارة الفرعونية
لعل الحضارة المصرية القديمة، نشأت على التسامح، فالبئية المصرية بنيلها ومناخها وموقعها يؤسس ويدعو التسامح، بحسب الباحث الأثرى بسام الشماع فإن: "المصريون القدماء نبذوا التنمر ونهوا عنه فى اللاءات الـ42، كالاعتراف السلبي، ومن ضمنها، لا لم اغتصب لبن من فم طفل، لا تسيء معاملة الناس، لا لم ارتكب بذاءات فى حق البشر، لم أتسبب فى ألم، لا لم أتسبب فى أن يبكى أحد، لا لم أتسبب فى تعاسة أحد".
كذلك كانت من حكم "آمن موبى": "لاتسخر من أعمى ولا تهـزأ من قزم، ولاتحتقر الرجل الأعرج، ولاتعبس فى وجوههم، فالرب هو خالقهم، وهو قدير يحيى ويميت".
الحضارة السومرية (العراقية) القديمة
كان الحضارة العراقية، واحدة من أوائل الحضارات التى تحدث عن أصول الأخلاق، ومن أوائل من وضعوا أيضا أول تشريع وأول الإصلاحات الاجتماعية، وبحسب كتاب "الحكمة وإنسان العراق القديم" من الحكم الكثيرة التى وردت قول احيقار "إذا سمعت كلمة دعها تموت فى قلبك ولا تبح بها لإنسان لئلا تصير جمرة فى فمك فتكويك وتترك وصمة فى نفسك فتكون مكروها فى الأرض"، "يا بنى لا تبح بكل ما تسمع ولا تشهر كل ما ترى" و"يا بنى لا تحل عقدة ربطت ولا تربط عقدة حلت" و"يا بنى لا تغتمّ لخير يناله مبغضك ولا تفرح لشر يصيبه" و"يا بنى إذا جابهك مبغضك بالشر فجابهه أنت بالحكمة".
الحضارة الإغريقية
اشتهرت اليونان القديمة، بمجتمع الفلاسفة الذين وضعوا الأسس العملية فى أووربا وسار عليها الكثير العالم كله فيما بعد، وكانت للقيم الفلسفية العديد من الحكم الأخلاقية التى تحدث عنها فلاسفة اليونان، ومن بينهم أرسطو، الذى تحدث عن الفضيلة بأنها أمر خلُقى مكتسب ثابت يتولد منه الفعل الفاضل، والفضيلة ليست فطرية أو طبيعية بل يكون اكتسابها بالتعود، وحينما يتعود عليها الإنسان فتصبح يسيرة عليه، ومن يجد فى ممارستها صعوبة فهو غير مستعد لها، واللذة مرشدة إلى الفضيلة ومقترنة بها، فيجد الإنسان الفاضل لذة فى ضبط نفسه، وكذلك يجد الشجاع لذة فى ضبط نفسه، وهكذا باختلاف أنواع الناس.
العرب قبل الإسلام
ظهر فى شبه الجزيرة العربية، من يدافعون عن القيم الأخلاقية والآداب، ويدافعون عنها ويتصدون لمن يخرج عنها، فظهر الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وكان من أشهرهم حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمى كان بمكة محتسباً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويردع الخارجين والسفهاء، إلا أن ذلك لم يمنع أن العرب قبل الإسلام شاعت بينهم الشتائم والمعاير، والهجاء، وكان الأعراب سكان البادية أشد غلظة وجفاء من أهل الحضر، فكان يحرص على الأخذ بثأره، وقد قيل لأعرابى أيسرك أن تدخل الجنة، ولا تسيئ لمن أساء إليك، قال: "بل يسرنى أن أدرك ثأرى وأدخل النار"، وهو الأمور التى نهى عنها النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بعد ظهور الإسلام.
البوذية
فى الديانة الهندية قبل البوذية، كان ينظر إلى النساء على أنهن أقل شأناً وخضوعاً للرجل، لكن كانت تعاليم بوذا كانت تميل إلى تعزيز المساواة بين الجنسين، حيث رأى بوذا أن المرأة تتمتع بنفس القدرات الروحية التى يتمتع بها الرجال، كذلك أعطى بوذا نفس التعاليم لكلا الجنسين، وكان من أبرز التعاليم الذى نادى بها بوذا أيضا "أتعهد بالالتزام بقانون الامتناع عن أخذ ما لم يعط لي، أتعهد بالالتزام بقاعدة الامتناع عن الكلام الكاذب، ومن الفضائل التى يتم الترويج لها على نطاق واسع فى البوذية هي: السخاء، والسلوك السليم، والتنازل، والحكمة، والطاقة، والصبر، والصدق، والعزم، وحسن النية، والاتزان.