أفنيتَ حِبْرَك إن لم يَنْفَدِ الورقُ
كلاهما لم يُطِقْ، والشاهدُ الأرقُ
غيرَ ابتكارك رؤياك التى صقلت زجاجة الروح
والمشكاةُ تنفلقُ
وغيرَ جزِّكَ صوفَ المفردات إلى تقييد نافشِها
والحقل يحترقُ
وغيرَ هذا الخيال الملحمى إذا
تركت نسرَكَ فوق الجيش ينطلقُ
وغير حكمتك البيضاء قد خرجت
من غير سوء فلم يَعْثُرْ بها الحدقُ
يبقى لشعرك شيءٌ
شاهقٌ
عكست بركانَه جبهةٌ لم يُدْمِها العَرَقُ
ما أنتَ؟ والسجنُ حظُّ العارف القلِقُ
لاءُ الحقيقة أم طاووسُها النَّزِقُ؟
القرمطى الذى ما خان ثورتَه
وخانه الخائنانِ: الجوعُ والملقُ
ما تبتغى؟ أمةً تعلو وتستبق؟
وقد رأيتَ بها التاريخ ينزلقُ
ما تبتغي؟ قائدا يجتاز محنتَه
عبر الخضمِّ إلى أن يغرق الغرقُ
يسعى إلى الشمس كى يُلقى بجذوتها على النهار الذى فى الجب يختنقُ
أنت انتفاضةُ قبر عن هياكله
حتى أتت فوقها الأكفانُ والخِرقُ
أعلت مشاعِلَها واستبسلتْ ومضتْ
والموتُ؟ ما الموت إلا أنه نفقُ
يا ابن الحسين الذى ما اغتال جدَّته
بشعره إنما قد مات من عشقوا
أتى العيونَ التى من حُبِّها عَشِيتْ
فأبصرت، وارتوت، واستسلم الرمق
صحبتَ فى الفلوات الوحشَ منفردا
حتى اشتكى شعرَك العاقولُ والعلقُ
وكلُّ موهبةٍ جبارة خرجت ترتاد بريَّة
كى يُسلم العبقُ
تنأى وتدنو وتستعدى وتتفقُ
كى تنقذ الشعر مما ليس يتفق
وقلتَ يا عصرُ آبى أن تكرِّمني
لو جاز عندك من غنَّوا ومن نهقوا
يكون فخرُك بى يوما إذا انصرفت عنك الملوكُ
وباعت نفسها الطرقُ
أين الملوك الألى دقت طبولَهم يداك؟
أين؟
وأين التِّبر والوَرِقُ؟
رفعتُهم لسمائى وهى دائرة كالبانوراما فلولا الشعر ما نطقوا
طَرَقْتَ بغداد بعد الفجر فانتبهتْ أحراشُها
واستثِيرَ الرابضُ الشبقُ
أغراك بالشعر ميثاقا قَذفتَ به
والشعر – كالموت- إن لم يَصْدُق الخلقُ
فقلتَ يا شعرُ كن صدقى إذا كذبت أشعارُ غيريَ؛ فالناجون من صدقوا
ذبحى سيُعلى كلامى عند قارئه
وآيةُ الأنبياء الصبر لا الفَرَقُ
وقلتَ يا مصرُ هل كافورك انتصرتْ أشياعُه
وانتهت ثوّارُك المِزَقُ
آتٍ لكِ الفجرُ مزهوًّا برايته
لو لم تُحَكْ بقميصي
حاكها الشفقُ
أنا الشهيد الذى من فوقه عبرت دبابة الجند والأضلاع تصطفقُ
سكنتُ فى كل عرق نابض
وسرت روحى بأعراق أحفادى الذين بقوا
فما دمشق التى يغتالها أسدٌ
سوى العراق الذى يغتالُه الحُمُقُ
وما انتهت ليبيا إلا إلى عَدَنٍ
والناس فى شرك الأهواء قد علقوا
وما الهدوء الذى الأمصار تشهده
من غير ذلك إلا الخِرْقُ ينفتقُ
شَهِدتُ ذلك فيما قبلُ وارتعدتْ فرائصُ المجد
حتى عزَّ من يثق
شهدتُ أرضا يَحُزُّ الرُّومُ رقْبَتَها
فشا بها الهَرْجُ واستشرتْ بها الفِرق
شهدتُها وهى أمٌّ ثاكلٌ جَلَسَتْ
فى الرمل
تملأ أياما وتندلق
وتلتقى بأناس بالردى شرِقوا
اللهَ! يا كم من الأعذار تُخْتَلَقُ
شهدتُها وحدها تبكى فما وجدت
سوى الكريمين :
من باعوا
ومن سرقوا
يا نافخ الروح هل طيرٌ يُبَلِّغُني
ما ليس يبلُغه من نفسه الأفقُ
نامت نواطيرُ مصرٍ عن ثعالبها
وقد بَشِمْنَ
ولم ينضبْ بها المَرَقُ
المصلحون أرادوا غيرَ أنهم
قد أفشلونا
فغابوا عندما برقوا
والمفسدون استغلوا ضعفنا فأتوا
من حيث لم نحتسبْ
فاستحكم الغسقُ
أخشى على الشعب حزنا ليس يرحمه
والحزن – كالبلطجى الوغد – مرتَزَقُ
أخشى الضباب الذى قد حط خيمته
على الوجوه
كأن القوم قد صَعِقوا
والشعب إن لم يُطَعْ صونا لعزته
تراه ضد الذى قد كان يعتنق
تقول : كم طغمةٍ سادوا شعوبهم
ثم انتهوا بعدما ديسوا وقد بُصِقوا
شرُّ العدو عدو أنت تعرفه
وشرُّ أعداء هذى الأمة الزَّلِقُ
وشرُّ حكامها من لونُ سحنتِه
يغيب فيه الندى
أو يُطْمَسُ الفلقُ
وظَلْتَ تُنْشدُ والأشعارُ تندفق
وظلتُ أسألُ كم بيتا ونفترق؟
يا شاعر النسق الأعلى إذا انحرفت
عن شعرها أمةٌ
لم يُعْيها النسق
يكفى بأن أسهرت خلقا شواردُها
وأنت فوق سرير العاج مرتفق
وأنها دولةٌ لو رام زعنفةٌ أسوارَها
خذلتْه الساقُ والعنقُ
باقٍ بها وحدها
باقونَ نحن بها
نحن الذين أتوا والباب ينغلقُ