تعد كتب السيرة الذاتية من أكثر الكُتب المُلهمة التي يُمكن أن نقرأها سواء تلك التي كتبها أصحابها أو الكتب التي كتبها أشخاص آخرون عن أصحابها، كمان أنها تمنحك تنوع وحرية اختيار أشخاص مؤثرين في مجالات مختلفة. فهى كنز رائع للاستفادة من تجارب شخصيات رسمت التاريخ وأسست قواعد هامة في مجالات الحياة المختلفة ومعرفة الصعوبات التي واجهتهم وكيف تغلبوا عليها، وفى الفترة الأخيرة بدأت الاهتمام يتزايد مرة أخرى بهذا النوع من الكتب، وخصصت بعض دور النشر مساحات كبيرا لهذا النوع من الأدب، وأصبح من الطبيعى وجود كتبا لسير بعض المشاهير الراحلين سواء كانوا مثقفين أو سياسيين أو فنانين.
لكن التساؤل الذى يسأله البعض هل هذا الاهتمام مجرد ظاهرة، وما هو سر اتجاه جمهور القراء إلى تلك النوع من الأدب، هل نوع من أنواع التلصص على حياة المشاهير، أم انجذاب وبحث عن قدوة فى سير هؤلاء الراحلين العظماء؟
وقال الناقد الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة، إن السير الأدبية وغير الأدبية تتضمن سمات خاصة جعلت منها، في كثير من الثقافات وفي كثير من الفترات، أعمالا يقبل عليها القراء، سواء كانت "سيرا غيرية" (مكتوبة عن شخصيات غير شخصيات كتّابها) أو سيرا ذاتية (مكتوبة عن الذات أو النفس).
وأضاف "حمودة" فى تصريحات خاصة لـ"انفراد" أنه من هذه السمات أن السيرة تقوم دائما على تلخيص لتجربة أو لتجارب حياة، وبالتالي فهي تمتلك مصداقية مفترضة، مما يجعل القراء والقارئات يقبلون ويقبلن عليها لاستكشاف تجارب عاشها آخرون، خصوصا من الشخصيات المعروفة، كي يستكشفوا جوانب وتفاصيل جديدة عن حياتهم.
وتابع "حمودة": من هذه السمات أن السير، الذاتية خصوصا، تتضمن إمكانات للبوح والاعتراف وكشف الأسرار، وهذه مادة غنية ومغرية للتلقي، بغض النظر عن هامش الحرية المتاح لهذا البوح والاعتراف وكشف الأسرار، وهو طبعا هامش تتفاوت مساحته من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر.
واستطرد الدكتور حسين حمودة: ومن هذه السمات أن السير الذاتية، في كثير من الحالات، تقدم للقارئ ما يشبه "خلاصة تجربة"، إذ إن كتّاب السير الذاتية وكاتباتها يكتبونها عادة في فترة متأخرة من أعمارهم، ومن نقطة زمنية يطلّون فيها على مسيرة كاملة، أي ينطلقون من زمن محدد ليطلوا على أزمنة متعددة سبقته، وبالتالي يختارون ويستخلصون من بين وقائع تلك الأزمنة ما هو أساسي ومهم ومؤثر.
ولفت "حمودة" قد يكون "الفضول"، الذي يمكن أن يتصل بظواهر أخرى سيئة مثل "النميمة"، سبب من الأسباب التي تفسر إقبال بعض القراء على قراءة السير الذاتية، ولكن هذا لا ينفي أن السيرالذاتية، كشكل للكتابة، ترتبط بإمكانات غنية تجعلها، ابتداء، مغرية للإقبال عليها من قبل دوائر واسعة تتخطى حدود الفضول أو النميمة..وطبعا يتزايد هذا الإقبال في حالاتارتباط هذه السير بشخصيات عامة أو مشهورة. وهذا الارتباط يجعل نصوص تلك السير أقرب إلى أن تكون نوعا من "استكمال الصورة" الناقصة التي تم تكوينها عن هذه الشخصيات، وسبيلا للبحث عن إجابات لأسئلة كثيرة حولها، وتفسيرات لما لم يكن واضحا في الصورة أو الصور التي تكوّنت عنها.
من جانبه قال الكاتب عماد العادلى، المستشار الثقافى لوكالة رحلة كتاب الأدبية، إن حياة المشاهير دائما ما تكون مصدر إلهام للقراء ودائما هناك اهتمام لدى القارئ لسبر أغوار سير المشاهير من السياسيين من المشاهير، مثلما حدث مع سيرة السيد عمرو موسى، كأحد أهم السياسيين فى مصر، والكاتب محمد سلماوى كأحد أهم الكتاب المسرحيين وكمثقف فاعل كبير فى الشأن المصرى.
وأضاف "العادلى" أن القراء أيضا اهتموا بسير محمود عبد الشكور، وكتب عمر طاهر، لأنها تقدم السيرة بشكل طريف يكون مقبول للقارئ العادى، وليست ثقيلة فى مستوى القارئ المتخصص.
ولفت الكاتب عماد العادلى، إلى أن كتب السير موجودة المجتمع المصرى منذ زمان، وليست ظاهرة جديدة، ربما ابتعدت بعد الشىء بسبب تقديم بعضها بطرق مختلفة وليست بطرق أدبية تليق بذوق الجمهور، لكنها عادت الآن على استحياء وهو أمر جيد، مشددا فى الوقت نفسه على أن الاهتمام الكبير بها الآن ليس له معايير معينة، ربما يكون مزاج ناشر وتم تقليده من غيره بعدما رأوا اتجاه الجمهور لتلك النوع من الأدب.