ذهبت مع زميلى عمر إلى بيته لنكتب الواجب، فى غرفتهم الوحيدة، لمحت جسدا ممددا على الأرض، كان ملفوفا فى حرام صوفى تفوح منه رائحة الغنم اللذيذة، هواء النافذة المنخفضة لم يفلح فى طردها.
سألته هامسا وأنا اجلس فى ركن بجواره:
- مين ده؟
همس فى أذنى :
- أبويا، بس عيان.
اقتربت أمه، فلاذ بالصمت، وهز رأسه المدبب.
أردت أن أغافله وأسحب الغطاء، لكنه كان منتبها.
فى الليل، رأيته فى صالتنا أثناء ذهابى إلى الحمام، نحيلا أصفر، متهدل الجلد، عيناه فتحتان غائرتان تسيلان حزنا، لا أدرى كيف عرفته، قلت بصوت خافت:
- أنا صاحب عمر.
منحنى نظرة واحدة تقطر حنانا، ثم تقلصت عضلات وجهه، وشد الحرام وهرول. لم أجرؤ على البوح لأحد فى بيتنا.
فى الصباح وصفت له ملامح أبيه، هز رأسه المدبب، ولمعت عيناه دون أى رد.
أصبحت أحب الذهاب أكثر من ذى قبل. لمحة الرجل الصامت الملتف بالحرام تجذبنى، كما تجذبنى رائحة الغنم، التى تدغدغ عمق أنفى. لماذا لم يعد يتجول فى صالتنا عندما أذهب إلى الحمام ؟
عندما نلعب، ونكتب، ونذهب إلى دورات المياه، أقول لعمر:
- يا عينى، أبوك نايم ليل ونهار!
لا شىء يصدر عنه سوى هزة الرأس!
بالأمس غاب، وبقى مكانه باردا بجوارى. سألتنى المدرسة عنه فلم أجب!
فى الفسحة هرولت إليه. ثمة زحام أمام المنزل، وصوت أمه يأتى من الداخل مليئا بالحسرة.
كان واقفا فى ركن ينظر فى كل اتجاه كأبى فصادة. وقفت بجواره حائرا.
بعد قليل خرج رجلان يحملان جسدا ملفوفا بغطاء أبيض، ومع ذلك ينشر رائحة الغنم التى تحتل محيط البيت وتتمدد بعيدا. انحنيت على أذن عمر:
- مين ده ؟
تشمم الهواء بشغف، ومنحنى نظرة دهشة:
- أبويا، بس مات !
أدار رأسه المدبب بعيدا، ثم هزه عدة مرات.