"وطالما أن حاكمنا قد تماهى تماهيا كاملا مع دوره كمؤلّه ممسوخ، فلن يجد غضاضة فى أن يقتبس بعض صفات الإله الحقيقى"، والحاكم المؤله هنا هو معمر القذافى فى رواية "العائد من موته"، آخر أعمال الكاتب الليبى أحمد إبراهيم الفقيه، وقد صدرت هذا الأسبوع فى سلسلة روايات الهلال الشهرية.
الحاكم فى رواية "العائد من موته" تجسيد للشر المطلق، لا تردعه أخلاق، ولا يعترف بقانون فهو مصدر القوانين بعد "تعطيل كل القوانين التى تعرقل العمل الثورى"، كانت نشأته الفقيرة بابا على جحيم دفع إليه الشعب بمجرد نجاحه فى الاستيلاء على الحكم، فانتقم من الخصوم.. سجنا وتعذيبا وتشريدا وقتلا، ولكن بطل الرواية "رشيد الأزرق" نجح فى الفرار من موت مؤكد، لاجئا إلى موت زائف، أخفاه حتى عن زوجته "وفاء" وابنتيه، وصديق الأثير، حيث استقبلوا جسده الرمزى مشحونا فى تابوت من القاهرة، وشيدوا له مسجدا، وضريحا بداخله، وأطلق عليه الناس لقب "مولانا الأزرق"، فتردد اسمه على الألسنة، فى انتقام صامت من الدكتاتور.
تتماهى الحدود الفاصلة بين الحقيقة والخيال، فلا تعرف أين ينتهى الواقع وأين تبدأ الدراما، فى رواية ـ وثيقة تدين أربعين عاما من الفوضى الدامية فى ليبيا، وتشحن القارئ بالغضب، انتظارا لانفجار حتمى.
تدور الرواية حول المواطن الليبى "رشيد الأزرق" الذى يعلن عن موته فى القاهرة، بعد وصوله إليها من طرابلس لحضور حفل تخرج ابنه. بدأ الراوى وهو صديقه المقرب برثاء رشيد الأزرق، والإشادة بسجله فى مجال الاقتصاد والاستثمارات الوطنية ودعمه للتجربة الاشتراكية، ليصبح قدوة فى الإسهام فى الصالح العام، بعد أن صار من كبار الاقتصاديين متوجا رحلة كفاح كعصامى تمكن من صنع المستحيل.
لم يكن بين رشيد الأزرق والنظام الليبى مشكلات، حتى بعد صدور قوانين تأميم الشركات والعقارات، عام 1977، والتى كان أحد ضحاياها، ولكن النظام بدأ يلاحقه ويبغضه نتيجة لخلافات نسائية، وهنا تنوع مسلسل الانتقام من التأميم إلى السجن، ثم تأكد له أنه على قوائم التصفية، كما حدث لمواطنين استهدفهم النظام، ففكر فى حيلة الموت الرمزى، الصورى الافتراضى، وكان ذلك الضمانة الوحيدة للنجاة، وابتعاد عيون النظام عنه، ليبدأ حياة جديدة، ويحقق نجاحات أكبر، ثم يلوح له أمل مع اندلاع الاحتجاجات ضد نظام العقيد فى فبراير 2010.
وأحمد إبراهيم الفقيه كاتب وروائى، فى رصيده ثلاث وعشرون رواية، وثلاث وعشرون مجموعة قصصية، وعدة مسرحيات عرضت فى عدد من مسارح العالم، حصل على جوائز وأوسمة فى ليبيا والعالم العربى، عمل بالصحافة والسلك الدبلوماسى وأسهم فى تأسيس صروح ثقافية فى ليبيا، منها اتحاد الأدباء والكتاب والمعهد الوطنى للموسيقى والتمثيل وفرقة المسرح الوطنى.