الحمار هو أكثر الحيوانات وجودا فى العالم، هو كائن عالمى، فى الصحراء تجده، الحمار البرى أو الوحشى، وفى الغابات، الحمار الوحشى، وفى القرى والمراعى، الحمار الأليف، وقد ذكر الحمار فى القرآن الكريم 5 مرات، فى سورة النحل فى قوله تعالى: "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون" الآية 8.. فى معرض التذكير بنعم الله الذى سخر للإنسان هذا الحيوان الذى يحمله ويحمل أمتعته.
حمار العزير
وورد ذكر الحمار فى سورة البقرة فى معرض قصة حمار عُزير، وهى قصة مشهورة، يقول تعالى: "أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير" آية 259.. وهذه الآية جاءت فى تصوير قدرة الله تعالى على إعادة الحياة بعد الموت.
وتتلخص هذه القصة فى وجود رجل صالح حكيم، يدعى عُزير، خرج ذات يوم إلى قرية فانية، فأحس بالحرّ فنزل عن حماره ومعه سلة فيها تين وسلة فيها عنب فاعتصر من العنب الذى كان معه فى قصعة ثم أخرج خبزًا يابسًا كان معه ووضعه فى عصير العنب ليبتل ويأكله، ثم استلقى ونظر إلى سقف البيوت ورأى ما فيها وهى قائمة على عروشها وقد أباد الله عز وجل أهلها وأفنى سكانها، وسقطت حيطانها على عروشها، ورأى عظامًا بالية فقال "أنى يحيى هذه الله بعد موتها" لم يشك أن الله يحييها بل قالها تعجبًا وجهلًا بقدرة الله تعالى فلما أراد الله به خيرًا أراه آية فى نفسه وفى حماره فأنزل الله عليه ملك الموت فقبض روحه فأماته الله مائة عام ثم بعثه فسأله الملك كم لبثت؟ قال: لبثت يومًا أو بعض يوم فقال له بل لبثت مائة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتغير وقد حفظهما الله عن التغير والفساد. وانظر إلى حمارك فنظر إلى حماره قد بليت عظامه وصارت نخرة وكان قد مات وتمزق لحمه وجلده وانتثرت عظامه وتفرقت أوصاله.
فنادى الملك عظام الحمار فأجابت وأقبلت من كل ناحية حتى ركبه الملك وعزير ينظر إليه ثم كساها اللحم ثم أنبت عليها الجلد والشعر ثم نفخ فيه الملك فقام الحمار رافعًا رأسه وأذنيه إلى السماء ناهقًا يظن القيامة قد قامت.
المسيح يدخل القدس على حمار
و كما نعلم فان دخول يسوع إلى أورشليم كان على ظهر حمار أيضا كما يخبرنا العهد الجديد فى انجيل متى :
"ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجى عند جبل الزيتون،حينئذ أرسل يسوع تلميذين. قائلًا لهما:اذهبا إلى القرية التى أمامكما،فللوقت تجدان أتانًا مربوطة وجحشًا معها،فحلاّهما وأتيانى بهما.وإن قال لكما أحد شيئًا، فقولا:الرب محتاج إليهما،فللوقت يرسلهما" [1-3].
الدخول على ظهر الحمار هو استمرارية لفكرة المخلص اليهودية (المسيا) الذى سيأتى راكبا على أتان، ويظهر ذلك فى قصة عودة اليهود من السبى بقيادة زربابل المنحدر من نسل داوود حيث كان زربابل عائدا الى اورشليم راكبا على اتان، من هنا يمكن فهم الاحتفاء بالحمار الذى تقوم به احدى الطوائف اليهودية المتشددة حين تقوم بتزيين حمار ورفعه والاحتفال به وفى تأكيد لفكرة قدوم المخلص راكبا على حمار.
الإمام علي يركب حمار النبى صلى الله عليه وسلم
وهنا يأتى الدور على الموروث الإسلامى ليظهر لنا حمارا من سلالة الحمير التى رافقت الأنبياء والمبشرين فى الحديثين المشار إليهم أعلاه، يتكرر الموضوع فى روايات متعددة فى الموروث الإسلامى منها رواية ركوب الإمام على لبغلة النبى صلى الله عليه وسلم المسماة (دلدل) واستعمالها فى تنقلاته أو فى توجه الإمام على من المدينة الى مكة بليلة واحدة على بغلة النبىصلى الله عليه وسلمفى قصة الجملين ضلال ووبال، البغلة دلدل أرسلت كهدية من المقوقس الى النبىصلى الله عليه وسلمكما يرد فى السير و يبدو فى ذلك إشارة لموضوع الحمير التى ركبها الأنبياء فى اليهودية و المسيحية واستمرارية لمفهومه.
حليمة السعدية تحمل عليه النبى محمدصلى الله عليه وسلم
ويقال أن حليمة السعدية حينما أخذت النبى محمدصلى الله عليه وسلملترضعه أخذت على حمار، حيث قيل: " فلما أخذته رجعت به إلى رحلى، فلما وضعته فى حجرى أقبل عليه ثدياى بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجى إلى شارفنا تلك، فإذا هى حافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريَّاً وشبعا، فبتنا بخير ليلة، قالت: يقول صاحبى حين أصبحنا: تعلمى والله يا حليمة، لقد أخذْتِ نسمة مباركة، قالت: فقلت: والله إنى لأرجو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتانى (أنثى الحمار)، وحملته عليها معى، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شىء من حمرهم".