طه حسين، واحد من أبرز العلامات الثقافية فى تاريخ مصر الحديث، وتمر، اليوم، ذكرى رحيله، فقد رحل عميد الأدب العربى يوم 28 أكتوبر من عام 1973، بعدما أتم رسالته الثقافية كاملة، وصارت لدينا صورة عن "العميد" التنويرى، لكن ماذا عن آلام طه حسين وأحزانه، وما الذى يقوله عنه ابنه الوحيد "مؤنس"؟
فى كتاب يحمل عنوان "طه حسين فى مرآة عصره" صادر عن وزارة الثقافة التونسية، وفيه عدد من الشهادات المهمة لمجموعة من الشهادات والدراسات عن طه حسين، لكن ليس هناك مثل شهادة "مؤنس" التى جاءت تحت عنوان "كان أبى مستيئسا.. محادثة بين فيليب فاردنال ومؤنس طه حسين"، وفيها:
قلما يتحدث مؤنس طه حسين، النجل الوحيد لكاتب مصر الكبير، عن نفسه أو عن آثاره الخاصة، ولكنه خلافا لذلك، طاب له التحدث إلى مجلة عربيات عن حياة أبيه اليومية وعن مسيرته الفكرية وعن المصير الرائع الذى كان من حظ أبيه:
س/ لقد عرف الجمهور الفرنسى طه حسين من خلال كتابيه "الأيام" و"الأديب".. كيف كان ينظر إلى الجانب الروائى من مؤلفاته؟
ج/ كان التأليف الروائى بالنسبة إليه ترويحا عن النفس، ولحظة استراحة فى غمرة الإبداع، ولكنى أعتقد أنه أدرك بعد ذلك أن هذا القسم (الروائى) من أعماله هو الذى سيبقى، أو على الأصح، هو الذى سيكون أطول بقاء.
من المعلوم أن أبى كان يملى كتبه، وقد كان يرفض دائما أن يعيد قراءتها، أقصد أن تعاد قراءة التجارب المطبعية على مسمعه، وكان يعهد بذلك إلى من يرى فيه الكفاية، وفى اعتقادى أنه لم يراجع قط سطرا واحدا بنفسه. فالدفق الأول فى كتاباته كان الأخير دائما.
ولكن نصوصه تؤكد – بما هي عليه من إعداد جيد - أنه كان قد فكر فيها طويلا ومليا قبل إملائها. كان يحمل الكتاب فى صدره. إنه المخاض الصادق. وكان ذاهلا عن كل شىء، غائبا عما حوله. وكانت أمى تخاطبه قائلة: "الظاهر من أمرك يا طه أنك الآن على أهبة إملاء كتاب جديد".
س: كيف كان يضبط منزلته بين أدباء عصره؟
ج/ لم يكن أصلا يضبط لنفسه منزلة ما بين أدباء عصره. كان يعد نفسه نسيجا وحدا، ليس خيرا منهم، ولكنه فرد لا شريك له، إنه على حدة، تماما على حدة، لم يكن أصلا راضيا عن الروايات القليلة التى كانت ظهرت فى مصر فى العشرينات والثلاثينيات من القرن العشرين، وكان يعتقد أنه هو منشئ الرواية فى الأدب العربي. أما الكتاب الشبان الذين جاءوا بعد ذك فهو الذى أحاط جلهم بالرعاية والتأييد.
س / كيف كات طباعه وكيف كانت طريقته فى إدراك الوجود؟
ج/ كان أبى مغرقا في التشاؤم. وإدراك ذلك سهل يسير، وحسبنا أن نذكر فى هذا المقام عاهة العمى. لقد وجد العون على تخطى هذه المحنة. ومع ذلك كانت تنتابه أطوار من القنوط وصفها فى كتاب "الأيام" لقد حدثته نفسه بالانتحار أحيانا. وكانت تنتابه سورات يأس لا قبل لأحد بأن يكون له فيها عون، لا ولا حتى زوجته كانت قادرة على ذلك مع ما أوتيت من رفق وحنان.
كان ينظر إلى الأشياء دائما نظرة سلبية. هذا من غريب الأمور ولا سيما ونحن نعلم أنه رجل على غاية النشاط: لقد أنجز أشياء كثيرة فى حياته.. لقد بنى فى الحقيقة جزءا من مصر الحديثة.