كان سى مانسفيلد، أحد هؤلاء الذين قاموا بالبحث والتأمل فى توكفيل وأعماله فى مقدمة كاشفة وموجزة على نحو مدهش، وفى كتابه "توكفيل: مقدمة قصيرة جدا" يستكشف مانسفيلد على نحو واضح وثاقب أعمال توكفيل، ليس فقط رائعته «الديمقراطية فى أمريكا»، بل أيضا كتابه الغامض «ذكريات» الذى كتبه للأجيال القادمة ولم ينشره فى حياته.
ويرى المؤلف، أن "توكفيل" كان كاتب صاحب أسلوب بارع، لكنه كاتب أعمال غير قصصية يتحدث عن الحقيقة والواقع بعبارات آسرة وصياغات جذابة، هو أيضا عالم اجتماع، لكنه لم يستخدم المنهجية المعقدة والحياد غير التدخلى والموضوعية المصطنعة التى يستخدمها علماء الاجتماع اليوم. وقد كان مدافعا عن السياسة ومصلحا فيها فى نفس الوقت، متبعا المنهج العلمى فى بعض الأحيان، لكن دون أن يسمح لهذا المنهج العلمى بأن يتعارض مع هدفيه السابقين.
ولد ألكسى دى توكفيل بعد فترة قصيرة من قيام الثورة الفرنسية، فى أسرة أرستقراطية أصيلة من نورماندي، وعاش من 29 يوليو 1805وحتى 16 أبريل 1859، وكان مرتبطًا بالنظام القديم فى فرنسا بسبب أسرته، وبالنظام الجديد من خلال رؤيته للحرية، وقد شهد دخول الديمقراطية إلى فرنسا، وتنبأ بأنها ستنتشر فى النهاية فى جميع أنحاء العالم، كان اسم أسرته فى الأصل هو كليرل، وقد حارب أحد أفراد تلك الأسرة مع ويليام الفاتح فى معركة هاستنجز فى عام 1066، وبالتدريج، حازت الأسرة على إقطاعية توكفيل فى نورماندى، وفى عام 1661 أصبح اسم الأسرة توكفيل، ولا يزال قصر الأسرة موجودا ويسكنه أحفاد شقيق ألكسى.
لقد وصف توكفيل نفسه، بأنه «ليبرالى من نوع جديد»، أما اليوم، فهو غير معروف باعتباره ليبراليا، كما هو الحال بالنسبة إلى صديقه جون ستيوارت ميل، الذى ألف كتابا عنوانه «عن الحرية» لتفسير المبادئ الليبرالية وتأييدها، يبدو أن توكفيل كان يميل أكثر للوصف والتحليل بصفته عالم اجتماع، غير أن أسلوبه كان بارعا، وعلى الرغم من أن أعماله كانت تزخر بالرؤى الكاشفة، فإن أفكاره نبعت من رصد الحقائق بدلا من أن تظهر مرتبة على نحوٍ منهجى فى تسلسل الحجج.
لم يبدأ توكفيل بالثناء على الديمقراطية، ولم يبالغ فى الثناء عليها مطلقا، بل أثنى عليها فقط وهو يصفها وهى قيد التطبيق، وبدأ توكفيل كتابه «الديمقراطية فى أمريكا» بقوله إن الديمقراطية حقيقة، «حقيقة إلهية»، وهكذا أبعد نفسه عن مواقف المروجين والمعارضين لها (حيث كان لا يزال فى عصره معارضون لها)، ثم ذكر أن الديمقراطية كانت أسهمها فى تصاعد فى كل مكان، وقد وصلَت لقمة نضجها فى أمريكا، ولم تكن بحاجة إلى من يروج لها، ولا يمكن كذلك معارضتها، كان توكفيل يعتقد أن المروجين والمعارضين للديمقراطية ليسوا على صواب، وخاصة المروجين لأنهم أكثر انسجاما مع العهود الديمقراطية؛ ومن ثم يكون رأيهم أكثر جاذبية من رأى الرجعيين؛ فالديمقراطية يجب أولا أن تحلل وتقيم نقاط القوة والضعف فيها.