لا يمكن أن يختلف اثنان على العلاقة القوية بين الثقافة والإعلام، وما يمكن أن يؤدى إليه هذا الدمج والتكامل - إذا ما تحقق - من نتائج إيجابية لتصنع جمهورا يتجاوب مع الفن والثقافة ويتعاطاهما بشكل مستمر.
ولا يمكن أن نقول مع الفعل الثقافى والفنى على الشاشات إن الضرورات تبيح المحظورات، كما الحال فى بعض البرامج الفنية على القنوات الفضائية، التى تقدم صنوفا من الابتذال والهبوط الفنى بحجة الإعلانات و"الناس عايزة كده"، فالبرامج الفنية الراقية التى بدأت تلوح عبر شاشات بعض الفضائيات مؤخرا أثبتت أن الرقى الثقافى والفنى له جمهور واسع، فقد حقق برنامج "مفيش مشكلة خالص" للفنان محمد صبحى نجاحا جماهيريا كبيرا، استطاع أن يجذب إليه الشباب والكبار، فهو حالة خاصة لامتداد الوعظ المحبب للنفوس، الممزوج بمشاهد تمثيلية تقدم قيما أخلاقية، فهو يقوم بدور تربوى وتثقيفى وتعليمى راقٍ، وقالب جديد للبرامج الإعلامية الثقافية والفنية يستحق الاحترام، فهو يعلى من قيمة القراءة أيضا بما يقدمه من مئات الكتب فى كل حلقة للجمهور بالاستوديو.
لم يكن المسرح وهو لون من ألوان الثقافة وأبو الفنون أيضا بعيدا عن شاشات الفضائيات.. فكان موسم مسرح النهار الذى قدمه نخبة متميزة من شباب الفنانين تجربة مهمة تستحق الدراسة والتكرار فقد استطاع جذب ملايين المشاهدين الذين لن تستطيع مسارح الدولة استيعابهم، فالمسرح التليفزيونى له جمهور واسع، وقد أثبتت التجارب المسرحية مؤخرا كم الإعجاب والاهتمام الذى يحظى به المسرح لدى المصريين، فصارت شاشات المنازل موجهة كل أسبوع مع العروض التى تذاع عبر الفضائيات الخاصة، فتجربة مسرح النهار لها ما يميزها فهى نتاج شراكة بين شبكة قنوات النهار ونقابة المهن التمثيلية، حقيقى أنها واجهت بعض الانتقادات للنيل منها، لكن هذا حال الأعمال الناجحة، فما استطاعت فعله نقابة المهن التمثيلية يدعونا لمخاطبة البيت الفنى للمسرح ورئيسه الفنان الرائع فتوح أحمد لكى يحذو حذوهما لنرى عروض مسرح الدولة على الشاشات، حقيقى أن الروتين واللوائج وأمور التعاقدات تقف حجر عثرة فى طريقه، لكن كلنا ثقة فى هذا الرجل أن يواصل دأبه لتحقيق هذا الهدف.
أيضا برامج الأطفال الثقافية على شاشات القنوات تحتاج مزيد من الاهتمام، لكى نضمن للنشء نوافذ إعلامية صادقة تعبر عن هويتنا وقضايانا وتاريخنا وقيمنا ، وإن كانت معظم الفضائيات تكاسلت وعزفت عن الاهتمام بالبرامج الموجهة للطفل إلا أن هناك برامج حظت باهتمام كبير من الأسر المصرية، وأبرزها برنامج " بنات وولاد" الذى تقدمه الإعلامية المتميزة سلمى صباحى.
الإعلام والثقافة خطوة تستحق الدمج.. ولا يعنى هنا أن تكون مجرد اسم تحمله لجنة بمجلس النواب، أو وزارة واحدة تعود بنا إلى زمن وزارة الإرشاد القومى بما لها من إيجابيات أو حتى سلبيات، لكنها مشروعا قوميا يدمج الثقافة بالإعلام لكى تجد فروع الفنون والثقافة لها نوافذ إعلامية تطل على بيوت جميع المصريين وتصل إلى عقل ووجدان كل مواطن، لكى نستطيع إفاقة الوعى الذى هوى فى الحضيض، واستثارة قيم العمل والعلم فى النفوس.
مؤخرا أصدر رئيس الوزراء قرارا بتعيين عصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون السابق فى منصب مساعد وزير الثقافة، وهو قرار جاء فى محله، فالأمير واحد من أهم صناع الإعلام، ويحمل رؤية واسعة لملف الإعلام والثقافة، وأعتقد أن هناك عدة ملفات لديه ستغير الكثير فى نظرة الإعلام للثقافة، وهو ما يعد - إذا ما أتيحت له الفرصة فى تنفيذها - إضافة حقيقية للثقافة المصرية التى لن تقف وقتها مكبلة بين جدران المبانى والتشريعات والروتين وأرفف المكتبات.
العمل الحقيقى من أجل تسويق المنتج الثقافى إعلاميا خطوة تحتاج تحرك سريع.. فالثقافة لا يجب أن تكون فى نهاية الأولويات بل فى المقدمة.. لأن بناء العقل السليم يجب أن يواكب بناء الجسم السليم، فالعقل هو الذى يحرك الأمة ويبنى المستقبل.