"شعب متدين بطبعه" هى جملة شهيرة دائما ما يطلقها المصريون على بعضهم، نظرا لتمسك أغلب أهلها أى كانت ديانتهم بضرورة الالتزام بالتعاليم الدينية، حتى وإن هو – أى قائل العبارة – لم يكن ملتزم بها تماما، لكن يبقى الدين المصرى له نزعة مختلفة داخل النفوس وتطبيق مختلف داخل القلوب.
ومن يتعمق فى التاريخ المصرى منذ بداية عصور التدوين، يرى المصريين أكثر ارتباطا بدينهم وأكثر تمسكا بعادتهم الاجتماعية والدينية، وأكثر حرصا على تطبيقها، ورغم تغير الأديان المصرية بداية من الديانات التوحيدية الأولى التى عرفها المصريين وصولا إلى ظهور الأديان السماوية فى مصر، إلا الكلمة لا تزال لها شكلها وتطبيقها الواضح فى حياتنا اليومية.
ومع الشكل المبهر الذى خرج عليه موكب المومياوات الملكية فى رحلتها الأخيرة من المتحف المصرى بالتحرير إلى المتحف القومى للحضارة المصرية، أصبح الشعف بما يخص الحضارة الفرعونية كبير وعظيم، من ناحية اللغة والفنون وحتى الدين.
وووفقا لموسوعة مصر القديمة لعالم الآثار المصرية الدكتور سليم حسن، فأن الواضح أن كل منطقة أو أقليم قديم كانت لها معبودها الخاص الذى يقام له المعابد ويحتمون فى سلطانه، بجانب الآلهة الرئيسية وأيضا عدد عظيم فى كل مكان من الآلهة الأخرى ذات الأهمية النسبية، غير أنها كانت تشاطر الإله الأعظم العبادة بصفتها إما زوجة له أو ابنًا، وأحيانًا كان لها عبادة مستقلة وسلطان، وسنذكر هنا بعض الأمثلة مؤثرين أكثرها أهمية وأرفعها مقامًا، ففى منطقة "العرابة" مثلًا نجد الإلهة "حكت" التى كانت تتقمص ضفدعة لها أهمية عظيمة بصفتها آلهة السحر وإلهة الولادة والبعث.
إذ كان يعتقد أنها تحضر ولادة الشمس كل يوم على رأى أحد المذاهب الدينية، وفى المقاطعة الثانية عشرة كان يعبد الطائر مالك الحزين الذى سماه اليونان "الفنكس" واسمه بالمصرية "بنو"، وكان مقر عبادته وتقديسه "عين شمس" وكهنة هذه الجهة كانوا يرون فيه إما الإله "أوزير" أو "روح" الإله "رع"، والفكرة الأخيرة كانت السائدة فى عين شمس، وما معلمه عن هذا الإله على وجه التحقيق أنه يلد على شجرة فى معبد عين شمس، ومن المحتمل أنها الشجرة القديمة المقدسة التى كان الآلهة يكتبون على أوراقها أسماء الملوك تخليدًا لذكراهم ويقال إن الشجرة التى تزار الآن بجهة "عين شمس" هى من نسل هذه الشجرة المقدس.
الآلهة عند قدماء المصريين كائنات معينة معروفة اتخذ كل منها شكلًا ثابتًا باقيًا لا يتغير، وقد انفصلت هذه الآلهة عن عالم الأشباح أو الأرواح التى يخطئها العد، وهذه الأرواح أو الأشباح (الجن) تلعب دورا هاما عظيما فى مظاهر الديانة المصرية، وتبرز بدورها الهام فى السحر الذى كان له تأثير خطير جدًّا فى العقائد الدينية فى كل عصور التاريخ فى البلاد، ومن بين المظاهر العدة المحسوسة التى تتجلى فيها هذه الأرواح أو الأشباح المقدسة الحيوانات، وهى إما منزلية أليفة تعيش مع الإنسان.
وتقوم له بخدمات عظيمة لا تنقطع، أو متوحشة ضارية تفتك به فيخاف شرها وبأسها، وأهم حيوانات النوع الأول وأجدرها بالذكر الثور، والبقرة، والتيس، والكبش. والظاهر أن الإله كان فى العادة ينتخب ذكر هذه الحيوانات ليتقمصه، وأحيانًا كان الإله يتقمص بعض الطيور كالإوزة، كما نشاهد فى حالة «جب» إله الأرض، فإن روحه تقمصت إوزة، أما أهم حيوانات النوع الثانى فهو الأسد، والتمساح، وجاموس البحر، والثعبان السام، والأفعى، وكان الإنسان يسعى لاتقاء خطر هذه الحيوانات والحشرات التى كان يقع بصره عليها فى البر والبحر، والظاهر أنه كان يرجع سبب قوتها وفتكها بجنسه إلى أن الإله قد حل فيها، وأنه إذا استعطفها وقدم خضوعه وقرب إليها القربان نجا من مخالبها وشرورها، فمثلًا نرى الذئب يعبد لأنه كان يسكن البقاع الجبلية القريبة من الجبانة، وكان يعيش على نبش القبور، فإذا قرب له الإنسان القرابين عدل عن أكل موتاه، وأكبر جبانة من هذا النوع جبانة أسيوط، كما كان يعبد ويقرب له القربان لسبب آخر هو ألا يسطو على غنم القوم، وهكذا كان الحال مع ابن آوى الذى كان يعبد باسم الإله «أنوبيس»، على حين أن الكلب يعد حارسًا للماشية، ولذلك كان يقدس، وكان هناك صنف آخر من الحيوان مثل القطط وغيرها، كان لا يضر، ولكنه كان يعبد؛ لأن فيه قوة سحرية خاصة وسرية. وأهم هذه الحيوانات القردة والأسماك والطيور، ونخص بالذكر منها الطائر «إبيس» «أبو منجل» ومالك الحزين «الفنكس»، والصقر والنسر والضفدعة والجعل … إلخ، وسيأتى الكلام عن كل فى حينه.
على أن عبادة الأشجار لم تكن نادرة فى مصر، فمثلًا نجد شجرة الجميز كانت مأوى للإلهتين «نوت» و«حتحور»، وكذلك شجرة السروكان يحل فيها روح الإله «مين»، وقد كان وجود أى شجرة من هذه الأشجار فى مكان ما يجعلها موضع تقديس، لأن روح الإله الذى هى رمز له كانت تسكن فيها.
وهكذا كان الحال مع كل أنواع الحيوانات أو الحشرات التى كانت تملؤها الروح المقدسة، وكان على الإنسان أن ينتخب واحدًا من نوع خاص مميز ويضعه فى المعبد حيث يُعنى به ويُخدم بصفته الحيوان الحقيقى الذى تقمصه الإله.
ولكن الآلهة كانت لا تتقيد قط بهيئة واحدة من أشكال الطبيعة، بل كانت فى الحقيقة كالإنسان لكل منها روح مثله على هيئة طائر «با»، وهو عنصر حى يسكن الجسم مدى الحياة، أما الرموز الإلهية المقدسة التى كنا نجدها بجانب رموز المقاطعات فلا يمكننا أن نعتبرها عريقة فى القدم؛ وذلك لأنها تحمل صورة الحيوان المقدس أو إشارة مقدسة أخرى، وتتقدم القوم فى المواكب فى ساحات القتال.