تعد جامعة القاهرة نموذجا فريدا لهذه المعالم الخالدة، ويعود تأسيس الكليات المختلفة فى الجامعة فى عهد محمد على، والتى مثلت نواة تكوين الجامعة، والتى تأسست فى نهاية عم 1908 تحت اسم "الجامعة المصرية"، وظل هذا الاسم للجامعة منذ تأسيسها وحتى عام 1940، إلا أنه تم تغيير اسم الجامعة إلى جامعة فؤاد الأول منذ عام 1940 حتى عام 1952، وبعد نجاح ثورة 23 يوليو 1952 تمت إعادة تسمية الجامعة لتصبح جامعة القاهرة وهو الاسم الحالى للجامعة.
وبحسب الموقع الرسمى لجامعة القاهرة، وشهد المجتمع التجربتين: أولها جاءت فردية، والتى قام بها أحمد باشا المنشاوى فى أواخر أيامه، حيث أعلن عن رغبته فى إنشاء جامعة فى جهة باسوس وأبى غيط، على نفقته الخاصة، وبحث مع أفاضل العلماء فيما تستلزمه هذه الجامعة من النفقات الأولية، والنفقات السنوية، وفى كيفية استحضار المعلمين والأدوات، وكانت هذه الفكرة شغله الشاغل فى سنته الأخيرة وموضوع حديثه فى الليل والنهار مع الأستاذ الشيخ محمد عبده، إلا أن المنية قد سبقته.
ولم يعنى أن الفكرة قد ماتت أو بات أمر تحقيقها مستحيلا، بل على النقيض من ذلك تماما، زاد عدد المولعين بها، وأخذت تراود أذهان المفكرين وصفوة المثقفين والسياسيين الذين تباروا، عن رغبة حقيقية، فى الكتابة بأقلامهم على صفحات الجرائد الوطنية، داعين الناس إلى الاكتتاب، ومؤكدين على أن إنشاءها بأموال الأفراد، فقراء كانوا أو أغنياء، أدل على نهوض الأمة، من إنشائها بمال فرد واحد، وحثوا الناس على التعاون فى هذا الأمر الجلل.
ولاقت الفكرة رواجا كبيرا بين الأهالى، وخاصة بين جماعة الصفوة الاجتماعية. ونحو أواخر عام 1906 نقرأ فى بعض الصحف عن اكتتاب مصطفى بك الغمراوى، وكان من وجهاء بنى سويف، بمبلغ 500 جنيه للجامعة المصرية، وتلاه اكتتابات عديدة فى جرائد مختلفة، لوجهاء آخرين وصارت الصحف تزف كل يوم بشرى من السراة. وهنا ظهر المشروع فجأة من تلقاء نفسه، وطلب عدد كبير من الحريصين على تحقيق هذه الفكرة تأليف نقابة لتلقى الاكتتابات ونشر الدعوة بصفة منتظمة. ويبدو أن بعض الصحف نسبت إلى بعض الأغنياء اكتتابات غير حقيقية طمعا منها أن يستحى أصحابها، فيحققوا الأمل، بقوة الخجل، إلا أن البناء إذا لم يكن على أساس متين، لا يلبث أن يتداعى، فكذب من كذب، وصدق من صدق.
وتم افتتاح الجامعة المصرية كجامعة أهلية فى الحادى والعشرين من ديسمبر 1908 فى حفل مهيب أقيم بقاعة مجلس شورى القوانين بحضره الخديوى عباس حلمى الثانى وبعض رجالات الدولة وأعيانها. وكان أول رئيس للجامعة هو أحمد لطفى السيد.
وفى مساء يوم الافتتاح بدأت الدراسة فى الجامعة على هيئة محاضرات، ولما لم يكن قد خصص لها مقر دائم وقتذاك فقد كانت المحاضرات تلقى فى قاعات متفرقة كان يعلن عنها فى الصحف اليومية كقاعة مجلس شورى القوانين، ونادى المدارس العليا، ودار الجريدة حتى اتخذت الجامعة لها مكانا فى سراى الخواجة نستور جناكليس الذى تشغله الجامعة الأمريكية بالقاهرة حالياً.