يعتبر مسجد عمرو بن العاص اللبنة الإسلامية الأولى فى القاهرة العاصمة، ونظرا لدوره التاريخى فى الماضى والحاضر وقيمته الأثرية العظيمة، ودوره الحضارى فى مناحى الحياة بمصر وفى كافة المجالات أطلق عليه العديد من الأسماء والألقاب، منها الجامع العتيق وتاج الجوامع ومسجد الفتح ومسجد النصر وجامع مصر وقطب سماء الجوامع.
كما يعد هو أول جامعه إسلامية قبل الأزهر والزيتونة والقيروان، حيث تلقى فيه طلاب العلم كافة علوم اللغة العربية والدين الإسلامى الحنيف، وهو الأثر الإسلامى الوحيد الباقى منذ الفتح الإسلامى لمصر، ومن أشهر تلاميذه الإمام الليث بن سعد، والإمام الشافعى، والسيدة نفيسة، وابن حجر العسقلانى، وسلطان العلماء العز بن عبد السلام.
عند إنشاء جامع عمرو بن العاص كانت تبلغ مساحته 675 مترً، وله ستة أبواب، بابان تجاه دار عمرو بن العاص من الجهة الشرقية، وبابان من الشمال، وبابان من الغرب، وكان سقفه منخفضًا ومكونًا من الجريد والطين، محمولاً على ساريات من جذوع النخل، كما كانت الحوائط من الآجر والطوب اللبن وغير مطلية، ولم يكن به صحن، وكانت أرضه مفروشة بالحصباء، وبه بئر يعرف بالبستان استخدمه المصلون وقتها للوضوء، وظل كذلك حتى عام"53هـ ـ 672م"، حيث توالت التوسعات فزاد من مساحته مسلمة بن مخلد الأنصارى والى مصر من قبل معاوية بن أبى سفيان وأقام فيه أربع مآذن، وتوالت الإصلاحات والتوسعات بعد ذلك على يد من حكموا مصر حتى وصلت مساحته بعد عمليات التوسيع المستمرة نحو أربعة وعشرين ألف ذراع معمارى.
وحول تصميم المسجد المعمارى، يوجد بالركن الشمالى الشرقى لرواق القبلة قبة يرجع تاريخها إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، أما صحن الجامع فتتوسطه قبة مقامة على ثمانية أعمدة رخامية مستديرة الشكل، وكانت نوافذ الجامع القديمة مزخرفة بزخارف جصية لا زالت بقاياها موجودة بالجدار الجنوبي، ويتوج واجهات الجامع من الخارج من أعلى شرافات هرمية مسننة، كما أن للجامع مئذنة يرجع تاريخها إلى عصر مراد بك، وهى مئذنة بسيطة تتكون من دروة واحدة ذات قمة مخروطية.
إبان الحملة الصليبية على بلاد المسلمين وتحديدا عام 564 هـ، خاف الوزير شاور من احتلال الصليبيين لمدينة الفسطاط فعمد إلى إشعال النيران فيها إذ كان عاجزا عن الدفاع عنها واحترقت الفسطاط وكان مما احترق وتخرب وتهدم جامع عمرو بن العاص. عندما ضم صلاح الدين الأيوبى مصر إلى دولته، أمر بإعادة إعمار المسجد من جديد عام 568 هـ، فأعيد بناء صدر الجامع والمحراب الكبير الذى كسى بالرخام ونقش عليه نقوشا منها اسمه.
من أشهر ممن ألقى دروسا وخطبا ومواعظ فى هذا الجامع "الشافعى، والليث بن سعد، وأبو طاهر السلفى، والعز بن عبد السلام، ابن هشام صاحب السيرة، والشيخ محمد الغزالى".
هذا وقد لحقت بالجامع أضرار كبيرة نتيجة الحرائق التى اشتعلت فى الفسطاط و أتت على المدينة بأكملها سنة 1168 م بأوامر من الوزير شاور فى عهد الخليفة العاضد، وكان شاور يريد أن يعيق دخول الصليبيين و الأيوبيين و استيلائهم على المدينة، كما أن الزلزال الكبير الذى وقع فى مصر عام "702 هـ ــ 1303 م"، قد أضر بكثير من مبانى القاهرة ومن بينها جامع عمرو الذى تشققت جدرانه و انفصلت اعمدته، فعهد الناصر محمد بن قلاوون إلى الأمير سلار بتعمير الجامع تعميراً شاملاً، وفى سنة 1212 هـ ــ 1797 م أمر مراد بك، حاكم مصر من البكوات المماليك، بإصلاح المسجد و صلى فيه الجمعة الأخيرة من رمضان، فدرج الولاة من بعده على صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان فى مسجد عمرو أو المسجد العتيق.