تولى الوليد بن عبد الملك الخلافة، وولى عمر بن عبد العزيز المدينة المنورة، وطلب الوليد من عمر أن يعيد بناء المسجد النبوى ويضيف إليه حجرات أمهات المؤمنين، فما الى يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟
يقول كتاب البداية والنهاية للحافظ ابن كثير تحت عنوان "ثم دخلت سنة ثمان وثمانين":
ذكر ابن جرير: أنه فى شهر ربيع الأول من هذه السنة قدم كتاب الوليد على عمر بن عبد العزيز يأمره بهدم المسجد النبوى وإضافة حجر أزواج رسول الله (ﷺ)، وأن يوسعه من قبلته وسائر نواحيه، حتى يكون مائتى ذراع فى مائتى ذراع، فمن باعك ملكه فاشتره منه وإلا فقوِّمه له قيمة عدل ثم اهدمه وادفع إليهم أثمان بيوتهم، فإن لك فى ذلك سلف صدق عمر وعثمان.
فجمع عمر بن عبد العزيز وجوه الناس والفقهاء العشرة وأهل المدينة وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد، فشق عليهم ذلك وقالوا: هذه حجر قصيرة السقوف وسقوفها من جريد النخل، وحيطانها من اللبن، وعلى أبوابها المسوح، وتركها على حالها أولى لينظر إليها الحجاج والزوار والمسافرون، وإلى بيوت النبى (ﷺ) فينتفعوا بذلك ويعتبروا به، ويكون ذلك أدعى لهم إلى الزهد فى الدنيا، فلا يعمرون فيها إلا بقدر الحاجة وهو ما يستر ويُكن، ويعرفون أن هذا البنيان العالى إنما هو من أفعال الفراعنة والأكاسرة، وكل طويل الأمل راغب فى الدنيا وفى الخلود فيها.
فعند ذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى الوليد بما أجمع عليه الفقهاء العشرة المتقدم ذكرهم، فأرسل إليه يأمره بالخراب وبناء المسجد على ما ذكر، وأن يعلى سقوفه.
فلم يجد عمر بدا من هدمها، ولما شرعوا فى الهدم صاح الأشراف ووجوه الناس من بنى هاشم وغيرهم، وتباكوا مثل يوم مات النبى (ﷺ)، وأجاب من له ملك متاخم للمسجد للبيع فاشترى منهم، وشرع فى بنائه وشمر عن إزاره واجتهد فى ذلك، وأرسل الوليد إليه فعولا كثيرة، فأدخل فيه الحجرة النبوية - حجرة عائشة - فدخل القبر فى المسجد، وكانت حده من الشرق وسائر حجر أمهات المؤمنين كما أمر الوليد، وروينا أنهم لما حفروا الحائط الشرقى من حجرة عائشة بدت لهم قدم فخشوا أن تكون قدم النبى (ﷺ) حتى تحققوا أنها قدم عمر رضى الله عنه، ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة فى المسجد - كأنه خشى أن يتخذ القبر مسجدا - والله أعلم.