يعد محمود سامى البارودى أول من كتب مقدمة لديوانه فى العصر الحديث، وفيها يعرف الشعر بأنه: "لغة خيالية يتألق وميضها في سماوة الفكر فتنبعث أشعتها إلى صحيفة القلب فيفيض بلألأتها نوراً يتصل خيطه بأسلة اللسان فينبعث بألوان من الحكمة ينبلج بها الحالك"، أما الشعر الجيد عنده فهو: "ما كان قريب المأخذ سليماً من وصمة التكلف بريئاً من عشوة التعسف غنياً من مراجعة الفكر"، وتكمن وظيفة الشعر عند البارودي في تهذيب النفوس، وتدريب الأفهام وتنبيه الخواطر إلى مكارم الأخلاق.
يتناول "محمود سامى البارودى" فى ديوانه شتى الأغراض الشعرية التى تبرهن على حذاقته فى نظم الشعر، فيجمع فى هذا الديوان بين الفخر، والحماسة، والهجاء، والمدح، والغزل، والحكمة ويعد هذا الديوان خير متحدث بلسان نفس رائد مدرسة الإحياء والبعث، حيث إن كل قصيدة فيه تجسد الحالة النفسية لهذا الشاعر.
ولد البارودى عام 1838م لأسرة مؤثرة لها صلة بأمور الحكم، نشأ طموحا تبوأ مناصب مهمة بعد أن التحق بالسلك العسكري، وقد ثقف نفسه بالاطلاع على التراث العربي ولا سيما الأدبي؛ فقرأ دواوين الشعراء وحفظ شعرهم وهو في مقتبل عمره،عمل بوزارة الخارجية وسافر إلى الأستانة عام 1857م حيث تمكن في أثناء إقامته هناك من إتقان التركية والفارسية ومطالعة آدابهما.
ولما سافر الخديوي إسماعيل إلى العاصمة العثمانية بعد توليه العرش ليقدم آيات الشكر للخلافة، ألحق البارودي بحاشيته، فعاد إلى مصر في فبراير 1863، حيث عينه الخديوي إسماعيل معيناً لأحمد خيري باشا على إدارة المكاتبات بين مصر والأستانة.
وقد تأثر شعر البارودي بالنهضة الأدبية في العصر الحديث والتي أظهرت الاختلافات بين القديم والجديد؛ نتيجة لانتشار الثقافة العربية والاتصال بأوروبا عن طريق زيادة عدد المبتعثين الذين تخصصوا في فروع الأدب في الجامعات الغربية.
من مؤلفاته ديوان شعر في جزئين، مجموعات شعرية سُميّت مختارات البارودي، جمع فيها مقتطفات لثلاثين شاعرا من الشعر العبّاسي، مختارات من النثر تُسمّى قيد الأوابد، كما نظم البارودي مطولة في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، تقع في أربعمائة وسبعة وأربعين بيتا، وقد جارى فيها قصيدة البوصيري البردة، قافية ووزنا وسماها، كشف الغمة في مدح سيد الأمة، ومطلعها:
يا رائد البرق يمّم دارة العلم
واحْد الغَمام إلى حي بذي سلم.