انتهت الدولة لأموية فى سنة 132 هجرية، وكان آخر خلفائها مروان بن محمد، الذى قاد الجيوش فى معركة الزاب ضد جيوش العباسيين، فما الذى يقوله التراث الإسلامي؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "مقتل مروان بن محمد بن مروان"
آخر خلفاء بنى أمية، وتحول الخلافة إلى بنى العباس مأخوذة من قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 247]، وقوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26] الآية.
وقد ذكرنا أن مروان لما بلغه خبر أبى مسلم وأتباعه وما جرى بأرض خراسان، تحول من حران فنزل على نهر قريب من الموصل، يقال له: الزاب من أرض الجزيرة ثم لما بلغه أن السفاح قد بويع له بالكوفة والتفت عليه الجنود، واجتمع له أمره، شق عليه جدا، وجمع جنوده فتقدم إليه أبو عون بن أبى يزيد فى جيش كثيف وهو أحد أمراء السفاح، فنازله على الزاب وجاءته الأمداد من جهة السفاح، ثم ندب السفاح الناس ممن يلى القتال من أهل بيته، فأنتدب له عبد الله بن على فقال: سر على بركة الله.
فسار فى جنود كثيرة فقدم على أبى عون فتحول له أبو عون عن سرادقه وخلاه له وما فيه، وجعل عبد الله بن على على شرطته حياش بن حبيب الطائي، ونصير بن المحتفز، ووجه أبو العباس موسى بن كعب فى ثلاثين رجلا على البريد إلى عبد الله بن على يحثه على مناجزة مروان، والمبادرة إلى قتاله ونزاله قبل أن تحدث أمور، وتبرد نيران الحرب.
فتقدم عبد الله بن على بجنوده حتى واجه جيش مروان، ونهض مروان فى جنوده وتصافَّ الفريقان فى أول النهار، ويقال: إنه كان مع مروان يومئذ مائة ألف وخمسون ألفا.
ويقال: مائة وعشرون ألفا، وكان عبد الله بن على فى عشرين ألفا.
فقال مروان لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: إن زالت الشمس يومئذ ولم يقاتلونا كنا نحن الذين ندفعها إلى عيسى بن مريم، وإن قاتلونا قبل الزوال فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثم أرسل مروان إلى عبد الله بن على يسأله الموادعة، فقال عبد الله: كذب ابن زريق، لا تزول الشمس حتى أوطئه الخيل، إن شاء الله.
وكان ذلك يوم السبت لإحدى عشر ليلة خلت من جمادى الآخرة من هذه السنة، فقال مروان: قفوا لا تبتدئون بقتال.
وجعل ينظر إلى الشمس فخالفه الوليد بن معاوية بن مروان - وهو: ختن مروان على ابنته - فحمل، فغضب مروان فشتمه فقاتل أهل الميمنة فأنحاز أبو عون إلى عبد الله بن علي، فقاتل موسى بن كعب لعبد الله بن علي، فأمر الناس فنزلوا ونودي: الأرض الأرض.
فنزلوا وأشرعوا الرماح وجثوا على الركب وقاتلوهم، وجعل أهل الشام يتأخرون كأنما يدفعون، وجعل عبد الله يمشى قدما، وجعل يقول: يا رب حتى متى نقتل فيك؟
ونادى يا أهل خراسان ! يا شارات إبراهيم الإمام، يا محمد يا منصور، واشتد القتال جدا بين الناس، فلا تسمع إلا وقعا كالمرازب على النحاس، فأرسل مروان إلى قضاعة يأمرهم بالنزول فقالوا: قل لبنى سليم فلينزلوا.
ثم انهزم أهل الشام واتبعتهم أهل خراسان فى أدبارهم يقتلون ويأسرون، وكان من غرق من أهل الشام أكثر ممن قتل وكان فى جملة من غرق إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك المخلوع، وقد أمر عبد الله بن على بعقد الجسر، واستخراج من غرق فى الماء، وجعل يتلو قوله تعالى: { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } [البقرة: 50] .
وأقام عبد الله بن على فى موضع المعركة سبعة أيام، وقد قال رجل من ولد سعيد بن العاص فى مروان وفراره يومئذ:
لج الفرار بمروان فقلت له * عاد الظلوم ظليما همه الهرب
أين الفرار وترك الملك إذ ذهبت * عنك الهوينا فلا دين ولا حسب
فراشة الحلم فرعون العقاب وإن * تطلب نداه فكلب دونه كلب
واحتاز عبد الله ما فى معسكر مروان من الأموال والأمتعة والحواصل، ولم يجد فيه امرأة سوى جارية كانت لعبد الله بن مروان، وكتب إلى أبى العباس السفاح بما فتح الله عليه من النصر، وما حصل لهم من الأموال.
فصلى السفاح ركعتين شكرا لله عز وجل، وأطلق لكل من حضر الوقعة خمسمائة خمسمائة، ورفع فى أرزاقهم إلى ثمانين، وجعل يتلو قوله: { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ} [البقرة: 249] الآية