تمر اليوم ذكرى إعلان عبد الرحمن الناصر نفسه في قرطبة خليفة للمسلمين مؤسسًا خلافة قرطبة، وذلك فى 16 يناير عام 929م، وهو وثامن حكام الدولة الأموية في الأندلس التي أسسها عبد الرحمن الداخل في الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية في دمشق.
وبحسب كتاب "عبد الرحمن الثالث.. خليفة قرطبة الأول" للباحث ماريبل فييرو المختص بتاريخ الأندلس والحضارة العربية الإسلامية، أن عبد الرحمن الناصر انتظر حتى عام 929 لكي يتجرأ الحاكم الأموي للأندلس على اتخاذ لقب الخليفة ومنافسة الخليفة العباسي في بغداد.
ووفقا للمؤلف فالواقع أن أحدا قبل عبد الرحمن الثالث لم يتجرأ على إطلاق هذا اللقب على نفسه، في السابق كانوا يدعون أمراء، وأما منذ الآن فصاعدا فقد أصبحوا خلفاء تماما كأسلافهم الأمويين في دمشق، أو كأعدائهم العباسيين في بغداد.
وعلى الرغم من أن عبد الرحمن الثالث كان يحكم الأندلس منذ عام 912 إلا أنه لم يتجرأ على اتخاذ هذا اللقب إلا بعد سبعة عشر عاما من ذلك التاريخ. وهذا دليل على أنه كان يتهيب الموضوع ويؤجله حتى أصبح واثقا من نفسه.
والواقع أن الحضارة الأندلسية بلغت ذروتها في عهد هذا الخليفة الكبير.
فقد جعل من قرطبة عاصمته بكل ما للكلمة من معنى. وأصبحت تنافس بغداد والقاهرة على الحضارة والعلم والفلسفة والفنون والآداب، بل وسبقتهما. هل نعلم مثلا أن قرطبة كانت تعدّ آنذاك مليون نسمة وأكثر؟ وبالتالي فقد كانت من أعظم المدن في ذلك العصر بدون منازع. وكان عبد الرحمن الثالث يفضل أن يسكن في قصره بمدينة الزهرة التي تقع على بعد خمسة عشر كيلومترا من وسط مدينة قرطبة.
ثم يردف المؤلف قائلا: وقد سبقه اثنان من كبار الأمراء هما عبد الرحمن الأول وعبد الرحمن الثاني. وعلى الرغم من عظمتهما إلا أنه تفوق عليهما كليهما. الأول كان عبد الرحمن الداخل، صقر قريش، الذي هرب من سوريا بعد أن فرق العباسيون سلالته إربا إربا. ومع ذلك فقد استطاع ليس فقط أن ينجو من المجزرة ويهرب وإنما أن يصل إلى الأندلس وينصّب نفسه أميرا هناك! وكان ذلك بمثابة المعجزة.
وهو الذي أسس السلالة الأموية في الأندلس بعد أن ماتت في دمشق. وأما عبد الرحمن الثاني فكان شخصا مهما أيضا. فقد كان مولعا بعلم الكلام والفقه والفلك والطبيعيات وعلم النبات على وجه الخصوص. وكان عاشقا للبساتين والحدائق التي أكثر منها في قصره. وقد أراد أن يجعل من قرطبة دمشق ثانية، وهذا ما حصل.
لكن عبد الرحمن الثالث كان هو الأهم في ميزان التاريخ. نقول ذلك على الرغم من عظمة المؤسس الأول: صقر قريش. فعبد الرحمن الثالث حكم فترة طويلة تحاذي الستين سنة! وهذا شيء نادر في تاريخ الخلافة، لقد حكم من 912 إلى 961م.