تمثل ترجمة الكتب الأجنبية إلى اللهجات المحلية ظاهرة جديدة، وهى وإن كانت غير منتشرة إلا أنها تستوجب التوقف عندها وتحليلها، فما الذى يدعو مترجما إلى ترجمة رواية كاملة باللهجة المحلية الدارجة، وهل يعتبر ذلك نوعا من التجديد، ثم ألا يحتمل أن تكون الترجمة إلى لهجة محلية أصعب من الترجمة إلى الفصحى؟!
بعض المترجمين يعتبرون الترجمة إلى العامية نوع من التجديد وهو بلا شك السبب الأول الذى يجعلهم يقدمون على التجربة خصوصا أن هناك قراء قد يفضلون القراءة بهذه الصيغة، وقد صدرت مؤخرا في مصر ترجمة لرواية الغريب للكاتب الفرنسى ألبير كامو بالعامية، كما ظهرت تجارب مشابهة في تونس لكتب من العيار الثقيل مثل رأس المال ومذكرات أبى القاسم الشابى.
وقال المترجم والكاتب الكبير سيد إمام لـ "انفراد" تعليقا على الظاهرة "لقد جرت محاولات كثيرة لترجمة بعض الأعمال الأدبية إلى اللغة العامية، بل وجرت محاولات لكتابة بعض الأعمال الأدبية بالعامية من بينها محاولة للويس عوض (مذكرات طالب بعثة)، وأخرى ليوسف القعيد (رواية مرافعة البلبل)، ولكنها باءت جميعاً بالفشل، ذلك أن العامية المصرية ارتبطت طوال تاريخها بالتعبير الشفاهي والأحاديث اليومية والواقع المعيش أو التفاصيل والمعاملات اليومية، ومن ثم ظل معجمها مقصوراً على تلبية تلك الأغراض ولم يتجاوزها أبداً لآفاق الشطح الفلسفي أو لغة العلوم. بينما اختصت الفصحى بمستوياتها المختلفة بالتدوين أو التعبير الكتابي، ومن ثم اتسعت دلالياً ومعجمياً وتركيبياً للأفكار المعقدة، في الوقت الذي لم يجر فيه تكييف اللغة العامية وتطويعها لاستيعاب، أو التعبير عن مثل تلك الأفكار".
وأضاف: "قبل أن نسأل عن الترجمة إلى العامية المصرية، علينا أن نسأل أنفسنا أولاً عن الهدف من مثل هذه المحاولة، هل هو تسييد لغة على لغة؟ تقريب عالم الأفكار الكبرى من الشخص العادي الذي يتحدث بلسان عامي؟ سوف تبوء المحاولة بالفشل، لأن الصعوبة في هذه الحالة لن تكمن في المفردات ذاتها المعبر بها بقدر ما تكمن في شحنة الفكر التي تنوء بحملها والتي لن توفيها الألفاظ العامية قدرها. والطامة الكبرى هي أن نبدأ هذه المحاولة بشكسبير الذي كان يكتب مسرحياته الشعرية بلغة داخل اللغة، أقصد لغة الشعر. هنا تكون المشكلة مضاعفة. هل ننقلها إلى الشعر العامي؟ سوف تفقد خصيصة من أهم خصائصها وسوف نفرض عليها طرقاً للتعبير ليست من طبيعتها: أوزاناً وعروضاً وقواف وتواريخ وحمولات للمفردات لا تعرفها ومن ثم نخون الكاتب أو النص الأصلي مرتين وليس مرة واحدة".
وقالت الكاتبة والمترجمة أميمة صبحى الفائزة مؤخرا بجائزة ساويرس لأفضل مجموعة قصصية لـ "انفراد" إنها ليست ضد ترجمة أى نص للعامية المصرية أو أي لهجة محلية، لكنها بشكل خاص لا تترجم أى عمل إلا للفصحى لأنها لا تستسيغ فكرة قراءة عمل كامل بالعامية المصرية.
وأضافت أن استخدام العامية في بعض الحوارات داخل النص الأدبى أو لإيضاح تعبير معين مستساغ في إطار كونه ضرورة من ضرورات فهم النص الأدبى، لكن الفصحى تظل هي الأساس بالنسبة إليها فيما يتعلق بالترجمة.
وأوضحت أن رواية الغريب لألبير كامو جرت ترجمتها إلى الكثير من اللغات واللهجات المحلية مضيفة :"القماشة واسعة وتحتمل كل شيء وعلى كل اختيار ما يناسبه".
وقال الشاعر والمترجم التونسى عبد الوهاب الملوح لـ "انفراد": "في الحقيقة لا أرتاح لهذه الموجة من الترجمات للهجات العامية"، مضيفا: "بخصوص ترجمة رواية الغريب لألبير كامو إلى اللهجة العامية ففيها تعد على النص الأول وهذا التوجه سوف يفتح باب العامية الضيقة وهو ما يتلف العمل الإبداعي أصلا".
وأضاف الملوح: "صدرت ترجمة لكتاب رأس المال باللهجة العامية بتونس كما صدرت مذكرات ابو القاسم الشابي بالدارجة ووجدت هذه الإصدارات استنكارا كبيرا لدى الأوساط الأدبية، ولم تجد رواجا".
وقالت القاصة هند جعفر الحائزة على جائزة ساويرس عام 2017 لـ "انفراد": "أرفض "تقليعة" الترجمة إلى العامية، وليس في الأمر شبهة خوف على العربية من أن تتحول إلى لغة ميتة كما يدعي البعض؛ فالعربية لغة استطاعت الاستمرار مئات الأعوام وتطورت بمهارة حتى وصلت إلى أن يتحدثها نصف مليار إنسان يفهمون بعضهم البعض، ويحاول نصف مليار آخر تَعلمها لارتباطها بشعائرهم الدينية، ولكن الخوف كل الخوف من الهبوط بذوق المتلقي المصري الذي يقرأ أعمالا كلاسيكية بتعبيرات مشوهة، واللغة جماليات في رأيي وهي إحدى أدوات الكاتب التي لو لم يستطع امتلاك ناصيتها لفسد فنه. ثم أن لي عدة أسئلة أود طرحها على السادة أصحاب هذه "التقليعة" من أين استمدت اللهجة المصرية التي يدعون أنها أصبحت "لغة" غالبية مفرداتها؟ أي عاقل يدرك جيدا أنه مهما امتلأت المصرية بمفردات من لغات أخرى إلا أن الألفاظ العربية هي عماد أي حديث نتحدثه، وهل ستكون الترجمة للعامية خاضعة لخلفية المترجم بمعنى أن المترجم الصعيدى سيترجم لنا بالعامية الصعيدية، والمترجم السيناوي سيترجم لنا بالعامية السيناوية أم ستهيمن اللهجة القاهرية على الترجمات؟ كيف سيقوم المترجم بتوصيل أي فكرة فلسفية مثلا يتناولها الكتاب؟ هل سيلجأ للفصحى وقتها مضطرا؟ هل الأولى بالوسط الثقافي المصري الجدال حول قضايا يمكن وصفها بقضايا القرن الفائت أم التطلع لترجمة مئات الأعمال التي لم تترجم بعد إلى اللسان العربي؟".