لدى المصريين ذكريات عديدة مع المقاهي المنتشرة فى قلب المحروسة، لما لها من روح وطابع خاص عند أهلها، ويتنوع مرتاديها وهى شاهدة على أحداث سياسية وثقافية واجتماعية هامة فى تاريخ البلد، بخاصة في التاريخ الحديث، ومنذ انتشارها خلال القرن الثامن عشر، حتى توسعت فى عهد الأسرة العلوية، وأصبحت جزءًا ومكانًا شبه مألوف لدى المصريون وكأنها بيتهم الثاني.
وفى البداية كانت الطبقة العليا فى المجتمع المصري لم تكن تبيح لنفسها ارتياد المقاهى العامة وكانت ترى فى ذلك انتقاصا من هيبتها ووقارها ولاحظ ذلك علماء الحملة الفرنسية وسجلوه فى كتاب "وصف مصر" كما ذكروا جزء من تاريخ المقاهي التي وجدوها منتشرة في مصر حيث ذكروا أن المقهى كان عبارة عن مقاعد توضع بشكل مرتب بجانب الجدران وكانت خالية من أي ديكور داخلي أو خارجي وقد ظل هذا التقليد معترفا به حتى بدايات القرن العشرين الماضي حينما عرف أن الزعيم الشاب مصطفى كامل باشا كان يجلس فى دكان شربتلى فى باب الخلق وأن أمير الشعراء أحمد شوقي بك كان يجلس فى محل حلوانى وفي هذا الزمان.
لم يكن مباحا جلوس النساء فى المقاهى حتى بعد ظهور الحركة النسائية فى مصر وعاب كثيرون على الصحفي الشهير الدكتور محمود عزمي أنه كان يجلس مع زوجته وهي روسية الأصل فى قهوة بار اللواء بالقاهرة.
وكان نادرا أن تخلو المقاهي من فن من الفنون السائدة وقتئذ وهي السير الشعبية التى يرويها شاعر الربابة والرقص والغناء وألعاب خيال الظل وفنون الأدب التى كانت تقدم بأسلوب زجلي وكان بيرم التونسي أول من جعل من الأرغول فنا مكتوبا فى علم 1924م ونقل هذا الفن إلى الغناء وغنت له سيدة الغناء العربى أم كلثوم الأولة فى الغرام والحب شبكوني والثانية بالامتثال والصبر أمروني والثالثة من غير ميعاد راحوا وفاتونى فى حديقة الأزبكية عام 1947م وكانت من ألحان الشيخ زكريا أحمد.
ومن الفنون القولية التى كانت معروفة فى المقاهى فن القافية وهي مباراة كلامية بين شخصين يتميزان بخفة الظل وسرعة البديهة وطلاقة اللسان والقفشة الساخرة يقول الأول كلاما لاذعا فى وصف الثانى فيرد الثانى عليه بكلمة اشمعن وهى اختصار إيش معنى فيرد الأول عليه ردا ساخرا وهكذا إلى أن يفحم أحدهما الآخر وسط ضحكات وقهقهات رواد القهوة.