نزل القرآن الكريم على النبى محمد صلى الله عليه وسلم، قبل أكثر من 1400 عام، هدى للناس وبيان من الفرقان، فكان لسماعه فعل السحر، من عذوبة الكلمات ومعانيها التى أسرت قلوب المؤمنين، فكل آية من آيات الذكر الحكيم تحمل تعبيرات جمالية وصورا بلاغية رائعة.
والقرآن حافل بالعديد من الآيات نزلت بلغة جميلة قادرة على التعبير الجمالى والتصوير الفنى، بالإضافة لزيادة فى المعنى، ومفردات كثيرة زينها الحسن والإبداع والإتقان، ومن تلك الآيات الجمالية التى جاءت فى القرآن: (وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ، وَمَاء مَّسْكُوبٍ، وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ).
وبحسب دراسة بعنوان "جماليات العنصر الإيقاعى في الآيات القرآنية" نلاحظ اتفاق الوزن دون التقفية فى لفظي "ممدود" و"مسكوب"، ونستطيع أن نتحسس جمالية إيقاعهما وتأثيره فى النفس، فى قوله تعالى (وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ، وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فالمستبين والمستقيم على وزن واحد، إن هذا النوع من الكلام الموزون هو "أخو السجع في المعادلة دون المماثلة؛ لأن في السجع اعتدالا وزيادة على الاعتدال، وهى تماثل أجزاء الفواصل لورودها على حرف واحد، وأما الموازنة ففيها الاعتدال الموجود فى السجع ولا تماثل فى فواصلها، فيقال إن كل سجع موازنة، وليس كل موازنة سجعا، وعلى هذا فالسجع أخص من الموازنة".
ووفقا للتفسير الكبير، الثالث: المراد ممدود أي منبسط، كما قال تعالى: (والأرض مددناها) [الحجر: 19] فإن قيل: كيف يكون الوجه الثاني؟ نقول: الظل قد يكون مرتفعا، فإن الشمس إذا كانت تحت الأرض يقع ظلها في الجو فيتراكم الظل فيسود وجه الأرض وإذا كانت على أحد جانبيها قريبة من الأفق ينبسط على وجه الأرض فيضيء الجو ولا يسخن وجه الأرض، فيكون في غاية الطيبة، فقوله: (وظل ممدود) أي عند قيامه عمودا على الأرض كالظل بالليل، وعلى هذا فالظل ليس ظل الأشجار بل ظل يخلقه الله تعالى.
وقوله تعالى: (وماء مسكوب) فيه أيضا وجوه :
الأول: مسكوب من فوق، وذلك لأن العرب أكثر ما يكون عندهم الآبار والبرك فلا سكب للماء عندهم بخلاف المواضع التي فيها العيون النابعة من الجبال الحاكمة على الأرض تسكب عليها .
الثانى: جار فى غير أخدود؛ لأن الماء المسكوب يكون جاريا فى الهواء ولا نهر هناك، كذلك الماء فى الجنة، الثالث: كثير وذلك الماء عند العرب عزيز لا يسكب، بل يحفظ [ص: 144] ويشرب، فإذا ذكروا النعم يعدون كثرة الماء ويعبرون عن كثرتها بإراقتها وسكبها، والأول أصح.