تمر هذه الأيام ذكرى سقوط ماردة فى أيدي المسلمين بقيادة موسى بن نصير بعد سنة من حصارها، وذلك فى 30 يونيو عام 713م، وبحسب دراسة بعنوان "فتح العرب المسلمين لبلاد الأندلس" للدكتور خليل إبراهيم، عمد موسى بن نصير إلى تأمين خطوط مواصلات المسلمين بين الجزيرة الخضراء التي نزل فيها وبين قرطبة التي تعتبر مفتاح السيادة في جنوب الأندلس، فعجل بالسير في بلدة شذونة، ومنها زحف إلى قرمونة ورواق واستولى عليهما.
وتابع الكتاب : وبذلك أصبحت المحطّات الهامة على الطريق إلى قرطبة في أيدي المسلمين، وصار في استطاعتهم التقدّم من تلك القاعدة نحو الغرب، وفتح مدينة إشبيلية التي كانت أكبر مدن القوط بعد العاصمة طليطلة ومصدر الخطر المباشر على القوات التي كانت تحت قيادة طارق في داخل البلاد، وكانت إشبيلية تعتبر نقطة التقاء للطرق الهامة في جنوب الأندلس، ولا سيما التي تربط الجزيرة الخضراء بداخل البلاد، فكانت هناك طريقان يربطان إشبيلية بالجزيرة الخضراء التي جعلها موسى مركزا لالتقاء جنده في إسبانيا، وكان أحد هذه الطرق بحريا والآخر بريا، وعلى كل منهما محطات كثيرة ومعاقل.
هذا إلى أن إشبيلية اشتهرت بأسوارها الحصينة ومتاجرها الواسعة، وبهذا أصبحت قاعدة كبيرة من قواعد الفتوح الإسلامية في إسبانيا، وبعد أن استولى موسى بن نصير على مدينة إشبيلية اكتفى بوضع حامية بها، وأسرع إلى الاستيلاء على مدينة ماردة التي كانت معقلا خطيرا في أيدي القوط خلف خطوط المسلمين، ووجد موسى بن نصير مدينة ماردة قوية الحصون وأشدّ منعة من إشبيلية؛ فكان لها أسوار منيعة يعلوها الأبراج والحصون القوية، ثم إن فلول القوط وأنصار لوذريق جعلوا تلك المدينة ملجأ لهم بسبب بعدها عن طريق المسلمين، كما كانت المسالك إليها وعرة صعبة، ولذا استغرق حصار المسلمين لها آخر الصيف والشتاء التالي له دون أن يسيطروا عليها، ودار حولها قتال عنيف سقط فيه كثير من الضحايا، فقد أعد موسى بن نصير كمائن كثيرة أخفاها في جهات صخرية مواجهة للمدينة، أنزلت ضربات قاصمة بالقوط كلما رغبوا في الخروج إلى معاقلهم، وقتل كثير من المسلمين أيضا في محاولاتهم ثقب سور.