واحدة من الأعمال النقدية المؤسسة في النقد العربي الحديث، والتي تطرح رؤى وأفكار ونظريات متغيرة ومتجددة لمفهوم الإبداع وعلاقته باللغة، وطرحها من خلال مناهج وأطروحات حديثة ومتطورة كانت الأعمال الناقد الكبير الراحل شكري عياد، والتي أصدرت له الهيئة العامة لقصور الثقافة، كتابين في كتابً واحد تحت عنوان "دائرة الإبداع.. اللغة والإبداع".
والكتاب الأول يطرح المفاهيم والمصطلحات النقدية التي شكل من خلالها شكري عياد رؤيته النقدية، استنادا إلى أفكار مدرسة النقد الجمالي فيما يقدم الثاني أطروحاته لمبادئ علم الأسلوب من خلال دراسته للتراث النقدي والبلاغي العربي القديم.
وفى دراسته حاول شكري عياد، توضح بعض المصطلحات النقدية والتحولات التي طرأت على مدارس النقد الأدبي خلال القرن العشرين، مشيرا إلى العديد من الترجمات مثل "مناهج النقد الأدبي" لديفيد ديتشس، و"نظرية الأدب" لرينيه ولك وأوستن وارن، كانت من الأعمال التي عنيت بتحليل النصوص المفردة، وأعرضت عن تاريخ الأدب، سوء أكان تاريخ عصور أم تاريخ فنون واتجاهات، موضحا أن رغم أن تلك الأعمال لم تكن مفهوما في وقتها للقارئ العربي إلا أنها أقبل عليها دارسو الأدب، كونها استجابت لحاجة ملحة إلى معرفة أكثر دقة وتفصيلا بطبيعة الأعمال الأدبية.
وأوضح عياد في كتابه أن النقد العربي الحديث مر بمرحلتين، الأولى أصبحت تصنف على أنها ضمن النقد القديم، وذلك منذ أواخر الستينيات حين أخذت البنيوية تغزو ميادين الدراسات الإنسانية، ولا سيما دراسة الأدب، واجتمعت تحت لواء علم جديد اسمه "السميوطيقا" ومعناه علم الرموز، وفى السبعينيات ظهر هذا العلم في الكتابات النقدية وطبقوه بعض الباحثون على النصوص العربية القديمة.
وتحدث عياد بنحو عميق عن دوائر الإبداع، ومحاولة بالعودة بالنقد الأدبي إلى الذوق، بصفته المرجعية الممكنة للقيمة، بعيدا عن اتجاهات التحليل التي تقف بعيدا عن القيمة، وهو المصطلح الذي يفضل عليه البنيويون كلمة "النَّص"، ولعل أكثر ما كان يخشاه شكري عياد في دراسته هو أن يبتذل البعض، ماهية الذوق فيشيعوا أنه الانطباع الشخصي المؤقت أو الثابت، لناقد الأدب، لا علاقة للذوق بهذا الفهم الدارج والمبتذل.
ويرى عياد إنه ما دام العمل الأدبي ليس ذاتا بل فعلا متغيرا، فإن وجوده ليس ذهنيا فحسب، إنه لا يرادف موضوعية المواد الطبيعية، ولكن له وجودا "شبه موضوعي"، مشيرا إلى أن تختلف "اللذة الفنية هذه عن بقية لذات الحواس بشمولها وإشباعها كل الرغبات لدرجة الامتلاء، وببقائها في النفس ذكرى حية حتى حين يشحب المثير الأصلي. هذه اللذة ليست حرية مطلقة، ولكنها "تحرر" شاق من قيود الضرورة. هكذا يصبح المضمون مادة الحياة والعالم الحيوي للكاتب، بينما يصبح الشكل تعبيرا رمزيا عن هذا العالم قابلا للفهم الذي هو "احتواء متبادل" بين الإنسان والعالم. هذا الاحتواء المستحيل نشعر به كومضة البرق "تمتلئ أنفسنا بروعته دون أن نحققه".
والحقيقة أن عياد لا يرى تناقضا بين علمية النقد وفنيته، أو بين التحليل والتفسير، فالذوق يمكن أن يدل على طريقة لاختبار الواقع تناظر الطريقة العلمية، ودعا إلى إلغاء التناقض المفتعل بين العلم والفن في النقد الأدبي.