تبقى الإسكندرية مدينة الله على أرض مصر، تلك الساحرة الصغيرة التي شهدت على عظمة هذا البلد العتيق، آخر الفراعنة والرومان والمسيحيين الأوائل وحتى العرب حينما جاءوا إلى مصر، كل هؤلاء عيشوا في تلك البقعة تأثروا بها وأحبوها، فظلت على مدار عمرها أرض التعايش بين الجميع، لكن ربما الآن ومع تقدم الزمان، لم تصبح المدينة فاتنة في عيون أهلها خاصة من الروائيين وكبار المثقفين ومن بينهم الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد.
بين الروايات والكتب ونوستالجيا المكان يعرّج بنا الكاتب إبراهيم عبد المجيد في أزمان متباينة، وقوالب نشر مختلفة، وإبداعٍ يتباين من مقال لآخر، فيجد القارئ نفسه بين التعجب لما يحكيه عن نفسه أيام المدرسة والشباب: أهكذا كانت حياة هذا الجيل؟! وبين الانبهار لما وصل إليه، ومَن قابله، ومَن حاوَره، فيجد القارئ نفسه بين التعجب لما يحكيه عن نفسه أيام المدرسة والشباب: أهكذا كانت حياة هذا الجيل؟! وبين الانبهار لما وصل إليه، ومَن قابله، ومَن حاوَره، وما قرأه من كتب بلغاتها الأصلية، وما كشف عنه من إبداعات ومبدعين مسكوت عنهم.
في كتابه الأخير "رسائل إلى لا أحد" يرثى صاحب "لا أحد ينام في الإسكندرية" مدينته ومسقط رأسه، ينعى أيامها الجميلة، لكن لأن أحدا لم يسمع لندائه، فجعلها "رسائل إلى لا أحد" وتوقف بعد الرسالة السابعة خوفا من الموت حزنا على حد وصفه، والكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات نشرها صاحب جائزة النيل في الآداب لعام 2022، في صحف ومجلات مصرية وعربية مقسمة إلى أقسام تدور متقاربة من موضوع واحد بصرف النظر عن مكان وزمان النشر.
يبدأ عبد المجيد كتابه ببعض من الندم على تركه وبيع كل ما يملك في الإسكندرية، وبدأ يتذكر "الأيام الخوالي" له في مدينة الإسكندر، وكيف كانت ملتقى الفنانين والمشاهير مثل "صالح سليم وفاتن حمامة، والفيلا التي كان يتملكها العندليب الأسمر على شاطئ بيانكي، هكذا يطوف بينا الكاتب الكبير في الاماكن التي يعرفها، ويتمنى لو يطير اليها ثانية كي يرى بأعين اسكندراني محب لترابها.
في الكتاب يتحدث إبراهيم عبد المجيد عن عدة كتب عديدة قرأها عن مدينته الجميلة، مبتدئاً بكتابين عظمين لحارس الإسكندرية الدكتور محمد عوض، وهو الكتاب الذى ساعده في كتابة ثلاثيته الشهيرة، وفيه اسهام الايطاليين في بناء الاسكندرية الحديثة، كذلك تحدث فيه أيضا عن كتاب تأثر بهم صاحب "الإسكندرية في غيمة" وهو سعد الخادم الذي له أكثر من رواية كتبها بالألمانية وترجمها بنفسه الى العربية كالطاعون وثلاثية المصري الطائر، وآخرون مثل المعري وابن حيان حاضران هنا، فيصل دراج، ثروت عكاشة، محمد حسنين هيكل، صلاح عيسى، رجاء النقاش ومحمد كامل حسين.
ولأن الإسكندرية كانت صاحبة تأثير كبير في عوالم وخيال الأديب الكبير نجيب محفوظ، اختتم إبراهيم عبد المجيد كتابه بمقال عن صاحب نوبل في الأدب لعام 1988، معتبرا أن محفوظ إن لم يكن روائياً لكانت القصص القصيرة تكفيه ليدخل تاريخ الادب العربي.