عاش البابا شنودة حياة حافلة بالرهبنة والدين والشعر والصحافة أيضًا، وهو بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، البطريرك رقم 117 فى تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية، والمعروف أن للبابا شنودة العديد من القصائد الشعرية، كما كانت له مفالات صحفية أيضا.. فكيف ذلك؟
البابا شنودة والشعر .. الأعمال الكاملة فى 40 قصيدة
كل ما وصل إلينا من شعر البابا شنودة، هو شعر دينى وروحى، يخرج عن راهب زاهد فى الدنيا ومُتَعِها، يلهج لسانه بالتسبيح والتراتيل، وهو ما عبر عنه فى قصيدة "من تكون"، والتى نظمها فى مغارته سنة 1960:
كُلَّ ما هو لك صمت وسكون
وهدوء يكشف الْسِّر المصون
اعتزلت الناس حَتَّى ما ترى
غير وجه الله ذى القلب الحنون
ويقول الناقد رضا عطية عن تجربة البابا "كان البابا شنودة الثالث مثقفًا حقيقيًا واسع الاطلاع وهو فى إبداعه الشعرى نظم معظمه فى الفترة ما بين العامين 1946م و1961 م، دارت قصائده فى إطار وجودى يتلفع بأرضية من الحكمة المتفلسفة، وعلى ما تتصف به قصائده من بعض التقريرية والمباشرة إلا أن ثمة عذوبة تبدو متدفقة عبر شعره الذى يحمل عديدًا من اللفتات الشعرية الملفتة.
ويضيف "عطية" أن البارز فى شعر البابا شنودة أنه يتزين بحلى بديعية ثرية وغير متكلفة فى آنٍ، فيؤدى دوره فى إنتاج دلالات النص.
أما البابا شنودة نفسه فيقول: بدأت أقول الشعر وأنا فى السنة الثانية الثانوية، التى تعادل ثالثة إعدادى حاليا، وكان ذلك عام 1938، ولكنى ما كنت أسميه أبدا شعرا، حيث إننى لم أكن قد درست قواعد الشعر بعد، وكنت أعتبره نوعا من الشعر المنثور، إلا اننى فى السنة الثالثة الثانوية بدأ اشتياقى لأن أدرس قواعد الشعر، وفعلا وجدت كتابا اسمه (أهدى سبيل إلى علمى الخليل) فى دار الكتب، وكنت أذهب إلى دار الكتب يوميا من الصباح، وأقضى الصباح كله مع هذا الكتاب إلى الظهيرة، فأعود إلى البيت، وأرجع مرة أخرى بعد الظهر إلى دار الكتب كى أكمل دراستى فى هذا الكتاب، ومع أن البعض كانوا يقولون: إن قواعد الشعر صعبة، إلا إنى درستها تماما، وبسهولة من فرط اشتياقى، ودرست علمى العروض والقافية من كتاب (أهدى سبيل إلى علمى الخليل).. ودرست بحور الشعر وأوزانه وتفاعيله. وبدأت أكتب شعرا وأطمئن إلى أنه شعر موزون يتفق مع قواعد الشعر لا أخجل من أن أسميه شعرا، وكان الشعر الذى أقرضه سهلا وإن وجدت كلمة صعبة أحاول أن أتفاداها بكلمة سهلة لدرجة أن بعض التلاميذ الصغار كانوا يحفظونه ايضا وأختار الموسيقى اللطيفة التى تناسب الشعر، أقصد الوزن الذى يناسبه والألفاظ السهلة التى يمكن أن تستخدم، كنت أقول الشعر الرصين، وفى نفس الوقت أقول الزجل والشعر الفكاهى وألوانا من هذا النوع.
وتم جمع شعر البابا شنودة فى ديوان صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فى حوالى 160 صفحة من القطع الصغير.
يضم الديوان أربعين قصيدة منها: نشيد وطنى، أبواب الجحيم، الأمومة، غريب، تائه فى غربة، همسة حب، يا إلهى، للكون إله، توحد، أمى، فى جنة عدن.. وغيرها.
والديوان كتب مقدمته الدكتور محمد سالمان وقال فيها "على الرغم من مكانته الدينية وعلمه الغزير، الأمر الذى جعل كتبه تصل لنحو يقارب أكثر من المائة، فإن ذلك لن يثنيه عن الشعر.. فقد كان شاعرا فحلا.. تقرأ شعره فتشعر أنك فى عالم ملىء بالأسرار.. تجد فى شعره نفثة جبران خليل جبران، وتأمل إيليا أبو ماضى وصور عبد المسيح حداد وبساطة نسيب عريضة وعمق العقاد، وبراعة المازنى، وموسيقى إبراهيم ناجى ومحمود حسن إسماعيل.
البابا شنودة والصحافة
اطلعت مؤخرا على كتاب "البابا شنودة والصحفى المثالى" للدكتور رامى عطا صديق، ويأتى فى خمسة فصول وملاحق، تناول الفصل الأول مسيرة الراحل البابا شنودة، من عام 1932 وحتى وفاته 2012، بينما تناول الفصل الثانى البابا شنودة كاتبا صحفيا، والفصل الثالث عن حرية الصحافة ضوابط ومحددات، والفصل الرابع الصحفى المثالى عند البابا شنودة، والفصل الخامس ضوابط حرية الصحافة عند البابا شنودة.
ويؤكد المؤلف أن الصحفى المثالى والمثالية قضية شغلت البابا شنودة البطريرك الـ 117 للكنيسة القبطية من خلال تحليل مقالاته فى مجلة الكرازة، وكذلك رأى البابا فى حرية الصحافة وأنها تقابلها مسؤولية وكل حق يقابله واجب وضوابط الحرية تفيد ولا تضر. وأن الموضوعية والصدق واحترام القانون جوانب مهمة.
والكتاب، وهو عبارة عن رصد ودراسة وتحليل لمجموعة مقالات صحفية كتبها قداسة البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ "117" من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهى مقالات يمكن تقسيمها إلى مجموعتين على النحو التالي:
المجموعة الأولى عبارة عن أربعة عشر مقال قصير، كتبها قداسة البابا شنودة الثالث، فى مجلة (الكرازة) خلال الفترة من شهر سبتمبر إلى شهر ديسمبر من عام 1975م، تحت عنوان "الصحفى المثالي"، حيث ناقش البابا شنودة فى تلك المقالات سمات الصحفى المثالى وصفاته، التى دارت فى مجملها حول الالتزام بالدقة والأمانة والصدق والموضوعية ونشر ما يُمثل فائدة لجمهور القراء، خاصة وأن البابا شنودة الثالث كان يعتز بكونه عضوًا فى نقابة الصحفيين، التى اعتزت من جانبها بانتسابه لها.
ويقول الدكتور رامي عطا قمت بتجميع مقالات "الصحفى المثالى"، من أعداد مجلة (الكرازة) 1975م، بهدف دراستها وتحليلها ونشرها، حتى تُتاح الفرصة لأن يقرأها ويستفيد منها القارئ العام على وجه العموم، والكُتّاب والصحفيون والإعلاميون على وجه الخصوص، واثقًا أنهم سوف يجدون فيها منفعة وفائدة، مثلما وجدت ومثلما استفدت.
المجموعة الثانية عبارة عن مجموعة مقالات كتبها قداسة البابا شنودة الثالث فى عدد من الصحف العامة، هي: جريدة (الجمهورية) وجريدة (أخبار اليوم) وجريدة (الأهرام)، حيث تناول البابا شنودة فى مقالاته عددًا من قضايا المجتمع، منها قضية الحرية بوجه عام وقضية حرية الصحافة بوجه خاص، وقد انطلق فى معالجته لهذه القضية من عدة أسس ومبادئ.
كما اهتم قداسة البابا شنودة الثالث بتقديم بعض النصائح والإرشادات، سواء للكُتّاب أو للقراء، فهو يدعو كل شخص وكل كاتب لأن يفكر جيدًا فى عواقب أى عمل يقوم به ونتائج هذا العمل وردود الأفعال قبل الإقدام عليه، وهو يدعو القارئ دائمًا إلى أن يكون حكيمًا فى الحكم على ما يقرأه فى الصحف وما يصل إليه من أخبار، ليتبين صدقها ومدى دقتها، حيث يطلب من القراء صراحة ألا يصدقوا كل ما يُكتب، وإنما عليهم تناول كل الأخبار بالفحص والبحث والتدقيق.
الجانب الثاني: يتعلق بدراسة موقف قداسة البابا شنودة الثالث من قضية الحرية وضوابطها على وجه العموم، وحرية الصحافة ومحدداتها على وجه الخصوص، حيث يُعد البابا شنودة الثالث شخصية دينية مسيحية بارزة وأحد أعلام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهو يمثل علمًا مصريًا وعربيًا ودوليًا، منذ أواسط القرن العشرين وحتى رحيله فى 17 مارس من عام 2012م، بل إن للرجل تأثيره إلى اليوم، يظهر فى اهتمام كثيرين بحفظ ذكراه، الأمر الذى يتجلى بوضوح فى وسائل الإعلام المسيحية، من صحف وقنوات فضائية، تحرص على إعادة نشر مقالاته وعرض مؤلفاته وتقديم عظاته، حيث عاش البابا شنودة حياته مُشاركًا فى إثراء الثقافة والفكر بمقالاته وعظاته ومؤلفاته، ومن جانب آخر فقد كان مصدرًا مُهمًا من مصادر الأخبار بالنسبة للصحفيين وجموع الإعلاميين فيما يتعلق بالشأن الكنسي، بالإضافة إلى الشأن الوطنى العام.