كانت لا تعرف سواه، ولا ترى غير طيفه، يجول فى خاطرها، يحيط بها، فهى متطرفة فى حبه، تحبه حتى الثمالة، تحمل فى قلبها الصغير، شعلة ضوء تنير لعينيها مجاهل الظلام، تحبه كتابا مقدسا، تقرأ فى صفحات وجه أيات الجلال، فتملأ الروح منه، فتشع وترقى وتعلو، وتعانق نجمات السماء، تحاور السحب، وتمتطى جياد الريح، فتظل تعرج، حتى تلامس الخلود، هل كان حبها له نفحة أبدية من صميم الوجود؟ فصارت عبر الأوردة والشرايين أنهر من دماء.
كان حبها غريبا يوم ولد فى قلبها، ولد فتيا يانعا قويا جلدا صبورا، لم تصفعه الأيام، لم يشيخ، لم يضعف كما يدب الضعف فى أوصال الحياة، بات ماردا، لا يقف فى وجهه أى أخطار، سحق كل شيء، لا يعبأ بشيء، يمضى فاتحا غرفات قلبها وأعصابها كالريح الهوجاء، كعاصفة، كطوفان نوح، وحيا أبديا لم تقاومه، فتركته يحتل منها ما يشاء، حتى أتى على كل شيء، خلًف وراءه غزوات، وأنهار من حنين، بساتين لا تعرف الفصول، كان فصلها الوحيد الربيع الدائم، الساكن فى زواياها، روته بوابل من العشق، كان إذا غاب عنها يوما أو بعض يوم، خلف أثار حرب، وجرائم لا تبقى ولا تذر.
وكان هو كجبل الجليد، لم يطأ الدفيء قلبه، كان فارغا من كل شيء، كانت ملامحه صرخة فى وجه الحياة، وحاجباه مقطبان، دائم العبوس والشقاء، يفصل أثواب الشجن، ويتأنق فيها، ويصنع منها ما يشاء، من أثواب مطرزة بالكراهية، مطعمة بالنفور، عندما أعلن الحرب على حاله فشل، وحمله على المزيد من الخواء والسكون والقسوة.
كانا نقيضين، لا طريق يجمع بينهما، فكيف ألتقيا؟ كيف غزا حبه قلبها؟ كيف أستوطن الجليد قلبه؟ لا أدرى لماذا كان لقاء!