"الفهد غادرنا إلى ملكوته" هكذا نعى مجد حيدر نجل الأديب السورى الكبير حيدر حيدر، والده الذى رحل عن عالمنا صباح اليوم الجمعة، عن عمر يناهز 87 عاما، فى إشارة لبطل روايته "الفهد" (1968)، التي تحولت إلى فيلم سينمائي بالاسم نفسه للمخرج السوري الراحل نبيل المالح، وذلك بعد حياة حافلة من النضال دفعا عن القضية الفلسطينية، ومسيرة مليئة بالمشاكسة وذلك بعد روايته المثيرة للجدل "وليمة لأعشاب البحر" والتي أثارت الجدل وصودرت حين نشرها.
و"وليمة لأعشاب البحر" رواية للأديب السورى حيدر حيدر صدرت عام 1983 فى سوريا تدور أحداثها حول مناضل شيوعى عراقى هرب إلى الجزائر، غير أنه يلتقى بمناضلة قديمة تعيش عصر انهيار الثورة والخراب الذى لحق بالمناضلين هناك، وفى عام 2000، أعادت وزارة الثقافة المصرية، طبع الرواية، وما إن طبعت حتى أحدثت جدلاً، وصل إلى حد التظاهر ومطالبة الأزهر بمنعها تحت دعوى "الإساءة إلى الإسلام".
فى عام 1999، قامت سلسلة "آفاق الكتابة" التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، وكان يرأسها في ذلك الوقت الأديب الراحل إبراهيم أصلان، بإصدار رواية "وليمة لأعشاب البحر" للأديب السورى حيدرحيدر، بعد طبعها فى بيروت عام 1983، لتثير الجدل فى الأوساط الثقافية والشعبية، وصل إلى خروج مظاهرات لطلبة جامعة الأزهر، وسقوط جرحى من الطلاب ورجال الأمن، وبيانات فى مجلس الشعب، واصطفاف لجماعات التشدد الدينى، وفى مواجهتهم صرخات للتنويريين والمثقفين.
الأزمة حول الرواية أثيرت بعدما نشرت إحدى الصحف مقالا لـ حسن نور يوم 28 فبراير 2000 يعترض فيه على نشر الرواية، وفى يوم 6 مارس رد الكاتب الراوئى خيرى شلبى رافضا آراء "نور"، ثم دخلت جريدة أخرى محرضة على العنف بنشرها مقالات للكاتب الدكتور محمد عباس حول الراوية، مطالبا بمحاكمة كل المسئولين عن نشرها، واتهم مؤلفها بالكفر والإلحاد.
ووصل حد الخلاف حول الأزمة إلى تقديم بلاغات إلى النائب العام، ومطالبة البعض باستقالة أوإقالة وزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسنى، الذى قام بدوره بتشكيل لجنة ضمت الدكتور أحمد هيكل، والناقد فاروق عبد القادر، والكاتب الصحفى كامل زهيرى، والدكتور صلاح فضل، رفضت الاتهامات الموجهة للرواية.
ورغم إشادات اللجنة سالفة الذكر، إلا ناقدا مثل الناقد الكبير رجاء النقاش، رأى أن رواية "الوليمة" فيها استطرادات تبعث على الملل فى كثير من الأجزاء وتعانى من التعبيرالعاطفى العشوائى تجاه الأشخاص والأماكن والأحداث والمشاعر المختلفة مما أدى إلى مقدار من الصعوبة فى قراءة الرواية، وثمة إحساس أنه كان يمكن اختصارها إلى النصف على الأقل من دون أن تفقد كثيراً من عناصرها الإيجابية المؤثرة، كما أن الرواية تكاد تكون عبارة عن صفات غارقة فى الضباب، بعيدة من الانضباط الجمالى واللغوى.
وأشار إلى أن رواية حيدر تسجل كل شيء وتطارد كل لحظة وكل حادث، ويحرص حيدر على تسجيل كل خاطرة وكل فكرة، بما لا يتيح للقارئ فرصة للتنفس الصحيح داخل الرواية، بل إن القارئ أحياناً يصل إلى حد الاختناق والانفصال عن المشهد المادى الذى يطالعه.
وقال المفكر الراحل الدكتور جابر عصفور الناقد ووزير الثقافة المصرية الأسبق، فى مقال له نشر وقت الأزمة: إن رواية "وليمة لأعشاب البحر" من أفضل الروايات العربية المعاصرة على الاطلاق ومن يتهمونها بالكفر هم مجموعة من جماعات الضغط السياسى الذين يتقنعون تحت أقنعة دينية ويتولون إرهاب المثقفين والمبدعين ويحاربون كل من يدافع عن الدولة المدنية، وهؤلاء لهم طريقة مغلوطة فى قراءة الأعمال الأدبية وفى رؤية الأعمال الفنية، وهم يقرأون الأعمال الأدبية على طريقة (لا تقربوا الصلاة) أى أنهم يقتطعون الجمل والعبارات من سياقها ويوظفونها وفقا لما يخدم مصالحهم. وكل هذه الحملة الظالمة استندت الى ما لا يزيد عن خمسة جمل فقط مقتطعة من 700 صفحة وهؤلاء ينبغى أن يخجلوا من أنفسهم فهم يريدون مصادرة رواية من أجمل الروايات العربية لم تصادرها أى دولة عربية من قبل.