تزينت الباخرة «النيل» بالأعلام المصرية وهى تغادر ميناء مرسيليا الفرنسى متجهة إلى مصر، وعلى متنها الملك فاروق وأمه الملك نازلى وأخواته والحاشية يتقدمهم رئيس الديوان الملكى أحمد حسنين باشا، وذلك بعد رحلة إلى أوروبا استغرقت نحو خمسة أشهر شملت سويسرا وفرنسا وإنجلترا، وكان الكاتب الصحفى محمد التابعى ضمن الوفد المرافق، و فى كتابه «من أسرار الساسة والسياسة (دار الشروق- القاهرة) يقدم وصفا تفصيليا لوقائع الشهور الخمسة، وأهمها ممارسات «الملك الصغير» «مواليد 11 فبراير 1920» ونمو العلاقة الغرامية بين والدته الملكة نازلى، وأحمد حسنين باشا، ونمو العلاقة بين «فاروق» و«فريدة» التى انتهت بالزواج .
يذكر «التابعى» أن الباخرة غادرت فيشى إلى مرسيليا، ووقف عند أول درجات السلم مدحت يكن باشا، والدكتور فؤاد سلطان باشا، وكان بنك مصر وشركاته أوفدهما ليكونا فى خدمة فاروق على ظهر الباخرة، ويضيف: «سمعنا وفرحنا أن طلعت حرب باشا أرسل كذلك عددا من الطهاة المشهورين بطهى الألوان الشرقية، ومعهم «العاصى» المشهور بعمل الطعمية والفول المدمس إكراما لفاروق».
استغرقت رحلة العودة أربعة أيام، وعلى ظهر الباخرة كانت هناك أحاديث لـ«حسنين باشا»، يتذكر منها التابعى ما قاله له حسنين: «لقد كنا فى أوروبا محيطين بالملك، وكان هو يعمل برأينا ويصغى لمشورتنا، ولكننا نعود الآن إلى مصر، وأولاد الحرام هناك كثيرون، ولن نستطيع أن نحلق على مولانا كما كنا نفعل فى أوروبا، ولن يمكننا أن نمنعه من الاتصال بهذا وذاك، كذلك لن نستطيع أن نمنع أولاد الحرام هؤلاء من مقابلته، وأرجو منك وقد أصبحت واحدا منا أن تساعدنى عند أصحابك الوفديين وأن تقنعهم بأن فاروق غير فؤاد، والد فاروق».
وصلت الباخرة إلى الإسكندرية عند فجر «مثل هذا اليوم 25 يوليو 1937»، وحسب وصف «التابعى»: «كانت مئات الزوارق تملأ ميناء الإسكندرية، وفيها فرق موسيقى وطبل وزمر وهتافات، ودعوات تتصاعد بحياة فاروق والملك المحبوب، كان الشعب يومئذ يعلق آماله على الملك الغلام، ولكن إن هى إلا سنوات تقل عن عدد أصابع اليدين حتى استحال الحب إلى نقمة، والدعوات الطيبات إلى لعنات يصبها الشعب على رأس الفاجر الطاغية فاروق».
يصف «التابعى» حال بيت «حسنين باشا» وقت عودته: «عاد ليجد النار مشبوبة فى بيت الزوجية، والألغام مهيأة للانفجار، وزوجته فى ثورة عاصفة مجنونة ضد الملكة نازلى، وضد كل من يمت إليها بصلة أو بسبب، حتى الملك فاروق نفسه، ثم سمع حسنين من بعض أصدقائه ومن بعض رجال القصر الذين لم يصحبوا فاروق فى رحلته، سمع من هؤلاء وهؤلاء أن زوجته السيدة لطيفة قالت كذا وكذا عن جلالة الملكة، وقالت كيت وكيت عن جلالة الملكة، وكيف أنها، زوجة حسنين باشا، تحدثت فى مجلس خاص فى دار فلان باشا، وقصر فلانة هانم، واتهمت جلالة الملكة نازلى بأنها «ماشية» مع حسنين، وأن الملكة عملت كذا وكذا فى باريس، وكيت وكيت فى جنيف ولندن وفيش، وأن الملك فاروق مغفل مثل أبيه الملك أحمد فؤاد».
سمع أحمد حسنين باشا بما هو أدهى وأخطر، وحسب رواية «التابعى»، كانت السيدة لطيفة زوجته تزور سيدة من الأسرة اليكنية «نسبة إلى يكن باشا»، وكانت كعادتها فى تلك الأيام، تنتهز فرصة لكى تطعن فى الملكة نازلى وفى سلوكها وتروى عنها القصص والحكايات، ومنها قصة زواجها بالملك أحمد فؤاد، وكيف هربت، وكيف ضبطوها، والشائعات التى أحاطت بالزوج المذكور، ثم الشائعات التى انتشرت بعد مولد فاروق، وهنا اشترك فى الحديث محام شاب، وقال إن أديبا اسمه بيرم التونسى سجل هذه الشائعات فى أزجال رددتها شوارع الإسكندرية والقاهرة، وتغنت بها إبان ثورة عام 1919، وإن الأديب المذكور نفى خارج البلاد بسبب هذه الأزجال.
يضيف «التابعى»: «كادت لطيفة تقفز فرحا، وطلبت من المحامى وألحت أن يحصل لها على نصوص الأزجال المذكورة، واستطاع المحامى أن يحصل عليها، وطبعت لطيفة هانم بضعة آلاف نسخة من الأزجال المذكورة فى شكل نشرة صغيرة، وعملت على توزيعها يوم عودة فاروق وأمه نازلى من رحلتهما» ومنها: «البامية فى البستان تهز القرون/ وجنبها القرع الملوكى اللطيف/ والديدبان يرمح يجيب الزبون/ وربة الجارية تجيب الرغيف/شوف الميراث حصل ولاد البطون».