أرسلت الحكومة وزير التموين القبطى جندى عبد الملك إلى المقر البابوى لمعرفة حقيقة الحدث الكبير، وهو اختطاف الأنبا يوساب الثانى بابا الكنيسة الأرثوذكسية من دار البطريركية فى شارع «كلوت بيه» بالقاهرة.
وجد الأنبا يوساب نفسه وهو على فراشه محاطا بأربعة شباب يوقظونه من نومه يوم 24 يوليو 1954، ويشهر أحدهم مسدسه فى وجهه، فظن أنه يتعرض لعملية سرقة، لكنه فوجئ بالشباب يمهلونه خمس دقائق ليرتدى ثيابه فى حضورهم، وحسب الدكتور غالى شكرى فى كتابه «الثورة المضادة» «الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة»، فإنه فور تغيير البابا لثيابه قدموا إليه وثيقة تنازل عن العرش البطريركى ليوقع عليها، على أن يخلفه الأنبا ساويرس، مطران المنيا، ووثيقة أخرى يأمر فيها المجمع المقدس والمجلس الملى العام للاجتماع بالإعداد لانتخابات بابوية جديدة، والتوصية بإعادة النظر فى اللائحة الانتخابية المعمول بها، حتى تتمكن الغالبية من المسيحيين الأرثوذكس المصريين من المشاركة فى الانتخابات.
وقع البابا على وثيقة التنازل، واصطحبه الشباب إلى الخارج، وعند الباب الرئيسى وقفت عربة سوداء فارهة، وحسب شكرى: «فتح أحدهم بابها اليمين، ودخل قبل البطريرك، ثم طلب من البابا أن يتفضل مفسحا مكانا لثالث، وفى مقعد السائق جلس أحدهم وإلى يمينه زميله الذى طلب إسدال الستار على الزجاج الخلفى، أما قائد المجموعة فقد أخذ الأوراق التى وقع عليها «البابا»، وأعطى إشارة التحرك، فمضى السائق على الفور واختفى هو، وتوجهوا إلى دير «وادى النطرون».
ووفقا لـ«شكرى»: فوجئت رئاسة الدير بـ«سيدنا» كما كانوا ينادونه وهو يزورهم بغير موعد سابق ودون موكب رسمى، ودهشوا من الوجوه«الغربية»- العلمانية التى لا يرتدى أصحابها الثياب الدينية- التى تحيط به، ولكن أحدهم بادر رئيس الدير قائلا: «البابا مريض قليلا وسيرتاح عندكم» وركب مع زملائه وقفلوا راجعين دون أى تفسير آخر.
بعد العودة تلقت معظم كنائس القاهرة والإسكندرية والمحافظات الرئيسية والصحف ووكالات الأنباء، بيانا من «جماعة الأمة القبطية» تعلن فيه تنازل البطريريك المصرى عن العرش، ويندد البيان بالفساد الذى عم أرجاء الكنيسة فى عهده، ويدعو إلى انتخابات عاجلة يشارك فيها»الشعب القبطى ويطلب من الحكومة ألا تتدخل فى شؤون الأقباط الداخلية، وينتهى البيان بشعار يقول: «الإنجيل دستورنا، والقبطية لغتنا، والموت فى سبيل المسيح أسمى أمانينا»، ويلفت شكرى إلى أن هذا الشعار نقل حرفى معاكس لشعار الإخوان: «القرآن دستورنا، والرسول زعيمنا، والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا».
كان إعلان «الأمة القبطية» عن تنازل البابا لافتا، باعتبارها ليست جهة كنسية مسؤولة، وطبقا لذلك بدأت عملية البحث عن أصلها ودورها ونشاطها وعضويتها، وحسب «شكرى»: «تبين أن وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية منحت لـ«إبراهيم هلال» ترخيصا لإقامة الجمعية، وأن بعض أعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 أرسلوا لها بطاقات تهنئة بإحدى المناسبات، ومن بين هذه البطاقات علقوا بطاقة باسم «أنور السادات» فى إطار عند المدخل الرئيسى لمركز الجماعة فى القاهرة، وتبين أنها نشطت خلال عام واحد نشاطا لا يوازيه إلا نشاط جماعة الإخوان، وأنها تمثل انشقاقا للجناح المتطرف لما يسمى بـ«مدارس الأحد» التى تكتفى بتعليم الدين للناشئين، وتغلغلت الجماعة بسرعة فى أنحاء المدن والأقاليم».
يضيف شكرى: «كانت مدارس الأحد لا تزال تعمل فى حدود الشرعية أى فى ظلال الكنيسة الرسمية، أما الجماعة الجديدة فهاجمت رجال الدين مباشرة، وطالبت علنا بتعليم اللغة القبطية للمسيحيين ولم تنتظر أحدا للتنفيذ بل عملت من أجل تحقيق هذا الهدف بافتتاح فروع مجانية فى المحافظات والقرى يتم فيها تعليم هذه اللغة المنقرضة».
أرسلت الحكومة وزير التموين القبطى «جندى عبد الملك» إلى المقر البابوى يوم 25 يوليو للتفاوض مع الخاطفين الذين تواجدوا فيه لاستكمال باقى مخططهم، وكان الاعتقاد السائد لدى الحكومة فى البداية أن الحدث كله يتعلق بمسائل قبطية داخل الكنيسة، وبالتالى يمكن التوصل إلى حل لها بمساعدة «عبد الملك» لكن الوزير اكتشف أنه أمام جريمة مكتملة الأركان، فأبلغ على الفور وزير الداخلية، وفى ظهر مثل هذا اليوم «26 يوليو 1954» اقتحمت الشرطة مبنى «الجماعة»، ووفقا لصحيفة «الأهرام27 يوليو 1954»: «البوليس يعتقل 36 شابا من جماعة الأمة القبطية المنحلة» و«عودة بطريرك الأقباط إلى البطريركية أمس».