"فى 1219 م" جاء إلى مصر القديس فرنسى الأسيسى مؤسس رهبنة الإخوة الأصاغر (الفرنسيسكان) والتى ينتمى إليها بابا الفاتيكان الحالى فرنسيس الثانى، وقد استطاع الأسيسى أثناء معركة حصار دمياط بواسطة القوات الصليبية أن يعبر إلى معسكر السلطان الكامل الأيوبى خارج مدينة فارسكور. وقد قابله السلطان فى سماحة واهتمام وأمر بعودته سالما إلى المعسكر الصليبى وبعد هذه المقابلة، أذن السلطان الكامل للرهبان الفرنسيسكان بالإقامة فى مصر وممارسة دعوتهم بها، كما سمح لهم بزيارة الأراضى المقدسة ولقد تكررت زيارات فرانسيس الأسيسى للملك الصالح أيوب وكانت تدور بينهم حوارات حول المشترك بين الإسلام والمسيحية والأمور المختلف عليها، هذا الموقف إن كان يعبر عن شيء فإنما يعبر عن لقاء الإنسان بالإنسان بغض النظر عن العرق الدين فهم مختلفان فيهما"، هكذا بدأ الدكتور إكرام لمعى كتابه المهم "المسيحيون.. بين الوطن والمقدس.. الدور والمصير" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
فى الوقت الخطر الذى نعيش فيه، نكون فى حاجة لكل كلمة إيجابية تقال فى حق هذا الوطن ومن هذه الكلام الطيب، هذا الكتاب الذى جاء فى 8 فصول ومقدمة وحواشى ومراجع،يتحدث فيه "إكرام" عن دور المسيحيين على مدى أكثر من 1500 عام فى بناء الحضارة العربية الإسلامية يدا بيد مع المسلمين العرب الذين تمصروا والمصريين الذين أسلموا مبتدئا بتاريخ المسيحية قبل دخول الإسلام وكيف حدث الانقسام الخطير على طبية المسيح بين الكنيسة الغربية والكنيسة الشرقية وكان الاضطهاد والقتل بينهما".
والكتاب يؤكد أن مجيء الإسلام كان بمثابة إنقاذ للكنيسة الشرقية من الاضطهاد الغربى وأنه أعاد البابا بنيامين إلى كرسيه بالإسكندرية، وقد عبر عن ذلك المؤرخ ساويرس بن المقفع وكذلك يوحنا النقيوسى أسقف مدينة نقيوس بقوله "ودخل الأنبا بنيامين بطريرك المصريين مدينة الإسكندرية بعد هروبه منها لمدة 13 عاما وسار إلى كنائسه وزارها كلها".
ثم يوضح كيف حدث التغير فى الهوية المصرية المدنية والحضارية بدخول العرب بهويتهم الصحراوية البدوية وعاداتهم وتقاليدهم ولقد تمصر الرب المسلمون وتحول بعض المسيحيين إلى الإسلام وتزاوج العرب والمصريين .وتكون نسيج ثقافى عربى إسلامى فى صيغة مصرية متفردة.ونتج عن ذلك إسلام حضارى مدنى ومسيحية عربية لغة وثقافة ولاهوتا.
ويقول إكرام لمعى أنه " بدأ المسيحيون استخدام اللغة العربية فى عام 800 م ولم تؤد سيادة اللغة العربية فى الحياة المصرية إلى القضاء على اللغة المصرية القديمة (القبطية) مثلما حدث مع اللغة اليونانية التى كانت سائدة فى البلاد قبل الفتح الإسلامي".
ويحكى الكتاب عن ذلك التفاعل الذى استمر لأربعة قرون كان المسيحيون فيها أغلبية سكانية، حتى نهاية الدولة الأموية وفى الدولة العباسية كان للمسيحيين الدور الأعظم فى ترجمة العلوم والفلسفة العالمية اليونانية والسريانية إلى العربية، وكان الخليفة المأمون يقدم للمترجم وزن كتابه ذهبا.
ويخلص الكتاب إلى أن المسيحيين فى العالم الإسلامى لم يعيشوا أبدا فى (جيتو )، ثم يتوقف الكتاب عند الخلافة العثمانية وطريقة التعامل مع المسيحيين قبل أن ينتقل للعصر الحديث، ويتوقف عند كل من محمد على وجمال عبد الناصر والسادات ومبارك وينتهى الكتاب إلى أنه فى ثورة 25 يناير وفى 30 يونيو ظهر الدور المسيحى بارزا بقوة، وهكذا على طول التاريخ المصرى كان التفاعل المسيحى الإسلامى قادرا على هزيمة أى محاولة للفتنة بين بناء مصر، والسر هو أن المسيحيين والمسلمين مصريون حتى النخاع.