عاد مرشد جماعة الإخوان المسلمين، المستشار حسن الهضيبى، من مصيفه بالإسكندرية بعد أيام من قيام ثورة 23 يوليو 1952، وأصدر بيانًا مقتضبًا نشر فى الصحف يوم 28 يوليو 1952، يحدد فيه موقف الجماعة من الثورة، قال فيه: «فى الوقت الذى تستقبل البلاد فيه مرحلة حاسمة من تاريخها، بفضل هذه الحركة المباركة التى قام بها جيش مصر العظيم، أهيب بالإخوان المسلمين فى أنحاء الوادى أن يستشعروا ما يلقى عليهم الوطن من تبعات كبيرة فى إقرار الأمن وإشاعة الطمأنينة»، واختتم البيان قائلًا: «إن الهيئة التأسيسية للإخوان سوف تجتمع فى نهاية الأسبوع لتقرر رأى الإخوان فيما يجب أن يقترن بهذه النهضة المباركة من خطوات الإصلاح الشامل، ليدرك بها الوطن آماله ويستكمل بها مجده» .
وقفت الثورة فى بدايتها مع الجماعة بقوة، حسب قول عبدالله إمام فى كتابه «عبدالناصر والإخوان المسلمون» عن «دار الخيال - القاهرة»، لكن الجماعة كانت تريد فرض شروطها، وتضع نفسها كوصية عليها، ففى أول لقاء بين جمال عبدالناصر ومرشد الجماعة فى منزل صالح أبورقيق، الموظف بجامعة الدول العربية، وفيه طلب المرشد أن تطبق الثورة أحكام القرآن الكريم، فرد عبدالناصر بأن الثورة قامت حربًا على الظلم والاستبداد السياسى والاجتماعى والاستعمار البريطانى، وهى بذلك ليست إلا تطبيقًا لأحكام القرآن.
فى مقابل هذه المواقف من الجماعة، وقفت الثورة معها بإصدارها قرارات، أهمها: إعادة التحقيق فى مصرع حسن البنا، مؤسس الجماعة ومرشدها الأول، والذى تم اغتياله يوم 12 فبراير 1949 برصاصات على حافة سيارة استوقفها أمام جمعية الشبان المسلمين لتأخذه إلى بيته، وحسب كتاب «سقوط نظام» لمحمد حسنين هيكل عن «دار الشروق - القاهرة» فإن سيارة التاكسى هرعت به إلى مستشفى «قصر العينى»، وهناك تبين أنه لم يفارق الحياة بعد، لكن المشرف على عملية الاغتيال وهو القائم قام محمد وصفى بك، قائد حرس الوزارات، أمر بتعقبه والتخليص عليه حيث هو، تنفيذًا لأوامر الملك فاروق، ورئيس الوزراء إبراهيم عبدالهادى.
وحسب «هيكل» : «المثير أن وصفى أطلق على نفسه رصاص مسدسه وانتحر بعد قيام ثورة 23 يوليو، وأقدم على هذه الخطوة عندما عرف أن دوره انكشف، وأن هناك أمرًا بالتحقيق معه، بعد ضبط الثورة وثائق فى القسم المخصوص للبوليس السياسى فيها اسمه ودوره فى العملية» .
أعادت الثورة التحقيق فى القضية، وألقت القبض على المتهمين وتقديمهم إلى «جنايات القاهرة»، وعقدت المحكمة جلساتها برئاسة محمود عبدالرازق، وعضوية محمد شفيع المصيرفى، ومحمد متولى علتم، وعضوية عبدالحميد الشربينى، وكيل النيابة، وحسن الفكهانى، سكرتير المحكمة.
وحسب عبدالله إمام، أصدرت المحكمة حكمها فى مثل هذا اليوم «2 أغسطس 1952» وقضى: أولاً: معاقبة أحمد حسين جاد بالأشغال الشاقة، وكل من الباشجاويش السائق محمد محفوظ محمد، والأميرالاى محمود عبدالمجيد بالأشغال الشاقة خمسة عشر عامًا، وإلزامهم بطريق التضامن والتكافل مع الحكومة المسؤولة عن الحقوق المدنية:
«أ» بأن يدفعوا عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض للسيدة لطيفة حسين الصولى، زوجة المرحوم الشيخ حسن البنا، وأولاده القصر منها، هم: وفاء وأحمد سيف الإسلام، وسناء، ورجاء، وهالة، واستشهاد، المشمولون بولاية جدهم الشيخ عبدالرحمن البنا.
«ب» أن يدفعوا للشيخ عبدالرحمن البنا والسيدة أم السعد إبراهيم صقر، والدى القتيل، مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت.
«ج» أن يدفعوا للأستاذ عبدالكريم محمد أحمد منصور مبلغ ألفى جنيه على سبيل التعويض، وألزمت المتهمين المذكورين بالمصروفات المدنية المناسبة، وثلاثين جنيهًا مقابل أتعاب المحاماة.
ثانيًا: معاقبة البكباشى محمد محمد الجزار بالحبس مع الشغل لمدة سنة، ورفض الدعاوى المدنية قبله.
ثالثًا: براءة كل من مصطفى محمد أبوالليل، واليوزباشى عبده أرمانيوس، والبكباشى حسين كامل، والجاويش محمد سعيد إسماعيل، والأومباشى حسين محمد بن رضوان، مما أسند إليهم مع رفض الدعاوى المدنية الموجهة لهم.
رابعًا: قدرت المحكمة عشرين جنيهًا أتعابًا لكل من حضرات المحامين المنتدبين، الأساتذة أحمد الحضرى، وحمادة الناحل، وعبدالحميد رستم، وعبدالفتاح لطفى، تصرف لهم من الخزانة العامة.