تعيش مصر واليونان حالة من الانتعاش السياسى والاقتصادى، خاصة بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لليونان خلال شهر ديسمبر الماضى، لتطوير العلاقات بين اللقاء الثلاثى مصر واليونان وقبرص لخلق تعاون أكثر توسعا بين مصر وأوروبا، وفى هذا الإطار التقى "انفراد" مع الدكتور حسين مرعى الملحق الثقافى المصرى باليونان لكى يلقى الضوء بشكل أكبر على تاريخ العلاقات الثقافية بين مصر واليونان، وأيضا ليبرز دور المركز الثقافى المصرى بـ أثينا فى التعريف ونشر الثقافة المصرية على أراضى اليونان.
وقال الدكتور حسين مرعى، الملحق الثقافى المصرى باليونان، إن تاريخ العلاقات بين مصر واليونان يرجع إلى القرن السادس والسابع قبل الميلاد، أى قبل دخول الإسكندر الأكبر مصر، حيث كانت تتواجد علاقة قوية شعبية بين السواحل المصرية وبين سكان جزر اليونان، لذلك تعد أقدم علاقة بين شعبين فى التاريخ خاصة مع سكان جزر بحر "إيجا".
وبعد إنشاء الإسكندرية أصبحت المدينة منارة للثقافة بين الشعبين حتى العصر الحديث، فقد تمركز كثير من اليونانيين فى مصر فى عام 1932 أصدر اليونانيون فى مصر صحيفة "اليونان المتمصر.
وعن تاريخ العلاقات الثقافية بين البلدين، أوضح "مرعى" أن العلاقات الرسمية الدبلوماسية بين الدولتين بدأت منذ عام 1833، والعلاقات الثقافية بين الشعبين دخلت الطور الرسمى عندما وقعت مصر واليونان اتفاق تبادل ثنائى عام 1956 وهو حتى الآن مستمر ومن ضمنها مشاركة مصر فى مهرجان الحضارة الدولى فى دورته الـ 49.
وبعد مرور سنوات طويلة، جرى تطوير لهذه الاتفاقيات عام 2002 ومنها إنشاء مكتبات ثقافية من خلال افتتاح المركز الثقافى اليونانى فى القاهرة والإسكندرية والمركز المصرى بـ أثينا، وفى عام 2006 وقعت مذكرات تفاهم لتجديد العلاقات الثقافية والرسمية كل 3 سنوات بين الدولتين.
وأشار "مرعى" إلى أن اليونان قريبة من الثقافة المصرية إلى أبعد الحدود، فلديهم الشعب الصعيدى اليونانى الذى يعيش فى جزيرة كريت، وأيضا المطبخ اليونانى شبيه بدرجة كبيرة بالمطبخ المصرى، هذا بالإضافة إلى أن مختلف المصطلحات اليونانية مأخوذة من المفردات العربية المصرية، وهذا البعد الثقافى بين الدولتين كان لديه مردودات كبيرة لدعم السياسية والاقتصاد بين الدولتين وهو ما حدث بالفعل خلال الفترة الأخيرة بين الرئيس عبد الفتاح السيسى ورئيس اليونان.
وما لا يعرفه العديد من الناس، أن الشعب اليونانى يدعم القضية الفلسطينية من الألف إلى الياء، ويدعم كل المواقف العربية، لذلك أطلق على اليونان دولة الشرق الأوروبى نسبه إلى أنهم يميلون إلى العادات المصرية أكثر من العادات الأوروبية لذلك فالعلاقات بين الدولتين متميزة لأبعد الحدود.
كما ألقى "مرعى" الضوء على مكتبة الإسكندرية القديمة التى أسست فى العصر البطلمى على غرار طراز المكتبات العامة اليونانية، حيث إن مكتبة الإسكندرية حرقت على يد الرومان، وعند تأسيسها فى عام 2002 لقيت دعم مالى مؤثر من اليونان، كما أنشأت جمعية "أصدقاء مكتبة الإسكندرية لتقوم بـ إعمال تطوعية أو نشر لرسالة المكتبة،مؤكدا أن الإسكندرية ترك أرث ثقافى يونانى عريق فيتواجد فيها المتحف اليونانى الرومانى الذى يتناول الحضارة تاريخ اليونان والحضارة البطلمانية.
وتابع "مرعى" أن فى العصر الحديث عاش اليونانيون فى مدينة الإسكندرية وخرج منها الشاعر كونستانتين كافافيس اليونانى المصرى الذى يعد من أعظم الشعراء اليونانين فى العصر الحديث، وتحول منزله بالإسكندرية إلى متحف ليكن مزار سياحى، حيث إن أعماله الكاملة ترجمت إلى اللغة العربية.
وحول ما أثير من جدل واسع عن مقبرة الإسكندر، أكد "مرعى" إلى أن اليونان مؤخرا اكتشفت مقبرة كانوا يظنون أنها للإسكندر الأكبر لأنها أسست على الطراز مقابر مصر القديمة حيث تواجد فى مدخل المقبرة تمثالين لـ أبو الهول، وبعد فحص تبين أنها لم تكن مقبرة الإسكندر بل مقبرة لأحد الشخصيات المهمة فى عصر الحضارة اليونانية، مؤكدا أن أكثر علماء الآثار اليونانين لديهم يقين تام بأن مقبرة الإسكندر الأكبر متواجدة فى الإسكندرية تحديدا فى شارع النبى دانيال.
وتابع "مرعى" أن هناك بعثة أثرية يونانية تعمل فى مصر منذ أكثر من 18 عاما، تعمل على البحث عن الآثار اليونانية ومنها قصر كيلوبترا وبالفعل تمكنوا حتى الآن من العثور على درج السلم القصر، هذا بالإضافة إلى أنه اكتشفوا عملة معدنية يتواجد عليها وجه القصر.
وعن عدم تواجد معارض خارجة عن الآثار اليونانية المتواجد بالمتحف اليونانى الرومانى المصرى بالإسكندرية، أكد "مرعى" أن هذه الفكرة جيدة وقابلة للدراسة خاصة أن هناك بعثة أثرية بمصر تعمل على إخراج الآثار اليونانية لعرضها بمتحف الإسكندرية، موضحا أن هناك عدة أسباب جعلت هذه الفكرة لم تكن متواجدة من قبل، فمنها الأزمات الاقتصادية التى تمر بها اليونان، وأيضا لأن طبيعة الآثار يونانية والشعب اليونانى يمتلك العديد من الآثار اليونانية لذلك لم يتواجد عنصر تشويق على عكس متحف بريطانيا لأنها لم تمتلك آثار للترويج عنها سياحيا، أما بالنسبة لمصر فلم تستدع إقامة معارض عن الآثار اليونانية لأنها بها آثار من كل الحقب التاريخية.
وعن كيفية تعزيز ثقافية المصرية لجذب الشعب اليونانى سياحيا، أوضح "مرعى" أن اليونان شعب متدينا بطبعه، ومصر تمتلك أكثر من أثار يونانى دينى ممكن يساعد على جذب السياحة للشعب اليونان، ومنها دير"سانت كاترين" الذى يرأسه رهبان يونانيون، وهذا الدير من المعالم الأثرية التى من الممكن وضعه على الخريطة السياحية، مثلما تتواجد زيارات سياحية للأماكن المقدسة فى القدس.
وأضاف"مرعى" هناك أماكن مسيحية عديدة فى مصر، منها جبانة البجوات فى الواحات الخارجة التى يرجع تاريخها للقرن الرابع الميلادى، وتصنف على أنها من أقدم الجبنات المسيحية فى العالم، لم تكن متواجدة على الخريطة السياحية، هذا بالإضافة إلى أن هناك كنيسة مارجرجس يتواجد عليها علم مصر واليونان، وأيضا كنسية البطريركية فى الإسكندرية فهذا معلم كنسى يونانى، ففى القاهرة تتواجد 12 كنيسة يونانية لذلك من الممكن مخاطبة الشعب اليونان المتدين لزيارة مصر.
وحول عدد المكتبات والمراكز الثقافية المصرية فى العالم، قال "مرعى" إن عدد المكتبات والمراكز الثقافية 29 مكتبا ومركزا على مستوى العالم، ولذلك تعمل وزارة الثقافة المصرية فى خطتها لزيادة هذه المراكز المكتبات لتكن فى أمريكا اللاتينية وفى أفريقيا وأستراليا، موضحا أن أعمال نجيب محفوظ الأدبية معروفة جداً فى اليونان، وتمت ترجمة أكثر من 14 رواية لنجيب محفوظ باللغة اليونانية، وحديثا تمت ترجمة رواية قنديل أم هاشم ليحيى حقى، وتجرى بالوقت الحالى ترجمة رواية دعاء الكروان، مضيفا أنه توجه رسالة للهيئة العامة للكتاب والمركز القومى للترجمة للتعاون مع دور نشر يونانية لترجمة أعمال أكثر لمختلف الأدباء المصريين، حيث إن هذه الأعمال سوف تلقى مردودا كبيرا لدى الشعب اليونانى.
وتابع "مرعى" إنه قدم مقترحا للدكتور هيثم الحاج على، رئيس الهيئة العامة للكتاب، لعدم تواجد كتب مصرية مترجمة إلى اللغة اليونانية على هامش مشاركة مصر فى معرض سالونيك الدولى باليونان هذا العام، مضيفا أن الحاج على وافق على التعاون مع دور نشر يونانية لترجمة الكتب المصرية إلى اللغة اليونانية.
ولفت "مرعى" إلى أن اليونان تحرص بانتظام على المشاركة فى معرض القاهرة الدولى بانتظام، حيث إنها شاركت بجناح متميز.
وحول أبرز المشكلات التى واجهت المراكز الثقافية المصرية بالخارج، أوضح "مرعى" أنها هى نقص المواد الدعائية فى المكتبات الخارجية وأيضا النقص فى نشر مواد تعريفية بالجامعات المصرية لإقامة منح ودراسات بها، مشيرا إلى أن وزير الثقافة تدخل فى ذلك الأمر من أجل سرعة تقديم فيديو ترويجى باللغة الإنجليزية للتعرف على الجامعات المصرية.
وعن دور المركز الثقافى المصرى باليونان فى دعم مرشحة اليونسكو مشيرة خطاب لمنصب مدير عام اليونسكو، قال إن الثقافة تحتل مركزا متقدما على أجندة الاستراتيجية السياسية والدبلوماسية لكل دولة باعتبارها إحدى القوى الناعمة أو الدبلوماسية الموازية، كما يحب أن يسميها البعض وما يمكن أن تحققه فى دعم بعض المواقف وتوضيح بعض الصور التى لا تكون جلية من خلال التحركات الدبلوماسية وحدها وكذلك توضيح طبيعة الأوضاع والظروف الراهنة.
ولو ضربنا مثال بتصدى مصر لتقلد مرشحيها مناصب فى المنظمات والهيئات الدولية، نجد أن إعلان مصر وبشكل رسمى من أمام متحف التحرير العريق عن ترشيح السيدة السفيرة مشيرة خطاب على منصب مدير عام اليونسكو، يتجلى لنا وبوضوح مدى الحاجة إلى الدبلوماسية الثقافية لحشد الدعم والتأييد خاصة فى ظل المنافسة الشديدة لتقلد هذا المنصب ولكن الرصيد الكبير لمصر من العلاقات مع الدول الأعضاء فى المجلس التنفيذى لليونسكو وتاريخ مصر باعتبارها أحد أوائل الدول التى وقعت على الميثاق التأسيسى لمنظمة اليونسكو نفسها والذى بدأ تفعيله فى العام 1946 فكل ذلك يمنح مصر عديد من النقاط التى قد يبدأ البناء عليها، فبجانب التاريخ العريق للدولة يجب أن يتم إبراز برنامج واضح ومحدد وواقعى التنفيذ ويتم التسويق وحشد الدعم والتأييد له.
فمصر لها مكاتب ومراكز ثقافية فى عدد من الدول الأعضاء بالمجلس التنفيذى لليونسكو ويمكن أن يتم دعم مرشح مصر من خلال تنظيم ندوات تعريفية بنشاط السيدة السفيرة وسيرتها الذاتية السابقة خاصة مع تقلدها مناصب رفيعة فى مصر وإسهاماتها فى مجال الطفولة والأمومة والتعليم، حيث يمكن دعوة رجال السلك الدبلوماسى ليس فقط فى الدولة مقر المكتب أو المركز الثقافى بل أعضاء البعثات الدبلوماسية المعتمدين بالدولة وسيدات المجتمع وأعضاء جمعيات المرأة وغيرها من مؤسسات العمل الحكومى ومنظمات المجتمع المدنى والإعلاميين والصحفيين مع استعراض أهم بنود الخطة الطموحة لبرنامج تطوير العمل فى المنظمة، خاصة أن مصر ترتكز على رصيد هائل من التراث الثقافى وكذلك على تاريخ طويل من العمل الدولى وخاصة ىى مجالات حماية التراث الثقافى أو برامج محو الأمية ورعاية الأمومة والطفولة وغيرها من برامج تتصدى لها منظمة اليونسكو.
ولو ضربنا مثال بالعلاقات المصرية-اليونانية نجد أن اليونان تعتبر الظهير الأوروبى لمصر فى عديد من القضايا، فاليونان كانت من أوائل الدول التى ساندت الشعب المصرى فى ثورة 30 يونيو وكانت مساندة للموقف المصرى فى المحافل الأوربية خاصة وقت تولى اليونان رئاسة الاتحاد الأوروبى فى النصف الأول من العام 2014، وعليه يمكن توظيف المراكز الثقافية لمصر بالخارج لتمارس دورها الحيوى فى حشد الدعم والتأييد لمصر ومرشحيها على المناصب الدولية الهامة.