توجه ثمانية ضباط مصريين وستة سوريين واحد تلو الآخر من نادى الضباط فى الإسكندرية إلى مقر القيادة البحرية فى رأس التين، وطبقا لـ«محمد حسنين هيكل» فى كتابه «الطريق إلى رمضان»، فإن اللقاء كان صبيحة مثل هذا اليوم «22 أغسطس 1973»، وكان الضباط السوريون قد وصلوا من دمشق قبل يوم أو يومين، ودخلوا كل على انفراد، حيث انضموا إلى مجموعة الضباط المصريين وغيرهم من ضباط بلاد عربية أخرى، ومجموعة فنيين روس كانوا يستخدمون النادى، ولاسيما فى هذا الوقت من السنة وهو ذروة موسم إجازات الصيف».
كانوا يرتدون الملابس المدنية، وحسب هيكل: «لم يكن هناك سبب يجعل منهم موضع اهتمام خاص، وفى غرفة مقر القوات البحرية كان الفريق أول أحمد إسماعيل، وزير الحربية المصرى، يجلس وسط مائدة طويلة تتوسط الغرفة، وأمامه اللواء مصطفى طلاس، وزير الدفاع السورى، يحيط بهما على الجانبين كبار ضباط القوات المسلحة المصرية والسورية: رئيسا الأركان، وقائدا العمليات، ومديرا المخابرات، وقائدا البحرية، وقائدا القوات الجوية، وقائدا الدفاع الجوى، ولما كان المنصبان الأخيران يشغلهما فى سوريا ضابط واحد فقد اقتصر عدد الضباط السوريين فى هذا الاجتماع على ستة، وسبعة مصريين، وكان الرابع عشر الجالس إلى المائدة ضابطا مصريا آخر هو اللواء بهى الدين نوفل، رئيس أركان القيادة المصرية السورية الاتحادية».
كانت الغاية من اجتماعهم حسب هيكل: «وضع اللمسات الأخيرة لخطة الهجوم فى وقت واحد على القوات الإسرائيلية، التى تحتل أرض سيناء المصرية، والجولان السورية، يتم خلال خريف تلك السنة، وكان التخطيط لمثل هذا الهجوم بدأ قبل ذلك بوقت طويل كنتيجة عاجلة لهزيمة 1967، واتخذ أشكالا متعددة طبقًا للشريك أو الشركاء الذين كانوا من المفروض أن تتعامل معهم مصر، ولم يأخذ شكله النهائى إلا بعد أن تم إنشاء المجلس الموحد للقوات المسلحة المصرية والسورية فى 31 يناير 1973، وقبل ذلك كانت ليبيا شريكا نشطا فى التخطيط، ولكن حين تبين أن لرئيسها معمر القذافى تصورا مختلفا عن تصور مصر وسوريا بالنسبة إلى الطريقة، التى يدار بها الهجوم، فإن الرئيسين المصرى والسورى قررا المضى فى تجهيزاتهما من دونه».
يواصل هيكل: «اتخذت أشد الاحتياطات لضمان عدم تسرب أية إشارة، فغرفة الاجتماع فتشت أكثر من مرة للتأكد من عدم وجود أجهزة للتنصت فيها، ولم يسمح بدخول أية أجهزة إلكترونية مهما يكن نوعها، ولم يسمح لأحد بأن يدون أية ملاحظات باستثناء ضابط واحد هو اللواء عبد الغنى الجمسى، المدير المصرى للعمليات (وزير الدفاع فيما بعد)، الذى كان يسجل محضر الاجتماع بالقلم الرصاص، ثم يعد نسختين منه، يسلم إحداهما للفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس الأركان المصرى ليقدمها بدوره إلى الرئيس السادات، والثانية إلى اللواء يوسف شكور، رئيس الأركان السورى، ليقدمها إلى الرئيس حافظ الأسد، ولم يكن مسموحا للضباط بعد الاجتماع أن يتصلوا بعضهم بالبعض سواء عن طريق الكتابة أو التليفون، وأى اتصال بينهم كان لابد عن طريق المحادثة الشخصية، والمحادثة الشخصية وحدها».
يؤكد هيكل: «استمر الاجتماع ستة أيام، لأن عددًا غير قليل من النقاط لم يتم الاتفاق عليها، على رغم أن الخطة فى مجموعها كان اتفق عليها منذ شهر إبريل، وحين انفض الاجتماع أخيرًا فى أغسطس، عادت غالبية الضباط السوريين إلى اللاذقية بطريق البحر من الإسكندرية، بينما عاد الباقون إلى بلادهم بالطائرة، ومع ذلك فإنه على رغم محادثاتهم المكثفة، ظلت هناك نقطتان لم يتم الاتفاق عليهما، ولم يكن هناك سبيل آخر سوى عرضهما على الرئيسين لاتخاذ قرار فى شأنهما، وكانت النقطتان تتعلقان بالموعد المحدد للهجوم: اليوم، الساعة، يوم الهجوم وساعة الصفر».
وضع المخططون فترتين بديلتين للهجوم، إحداهما بين7 سبتمبر و11 سبتمبر، والثانية بين 5 و10 أكتوبر، ولم تكن هناك حماسة كبيرة للفترة الأولى، ومع ذلك احتفظ بها كبديل يستخدم فى حالة وجود أسباب سياسة قوية لا يعرف بها المخططون تجعل من الأفضل القيام بالهجوم فى وقت مبكر».