كانت الساعة الحادية عشرة صباحا من مثل هذا اليوم «5 سبتمبر 1974»، حينما اسـتأنف رئيس نيابة أمن الدولة العليا «مصطفى طاهر» تحقيقاته مع الشاعر أحمد فؤاد نجم فى القضية التى عرفت باسم قضية «نيكسون بابا» والمرتبطة بزيارة الرئيس الأمريكى نيكسون إلى القاهرة، «راجع ذات يوم 3 سبتمبر».
حضر «نجم» من معتقله فى «سجن القلعة»، ووفقا لـ«صلاح عيسى» فى كتابه «شاعر تكدير الأمن العام» عن «دار الشروق - القاهرة»: «دارت المناقشات معه حول القصائد الثلاث موضوع الاتهام» وهى»شرفت يا نيكسون بابا» و«كلمة بمناسبة زيارة ابن الهرمة» وقصيدة «ع اللى حصل فى الحواصل / يا سلام يا سلام /الكلام عايز إذاعة /والوطن عايز كلام /والإذاعة مستباعه للمياعة فى الغرام/والبلد آخر مجاعة /والجماعة فى انتخام».
سأل المحقق: ما هو موقفك من نظام الحكم القائم ومن سياسة الدولة الخارجية والداخلية؟، فأجاب نجم: أنا مع الاشتراكية ومع «الميثاق» ومع «بيان 30 مارس»، ومع الاتجاه إلى تعميق الحريات وإرساء سيادة القانون، لأن هذا من صالح طبقتى، هذا من الناحية النظرية، أما من الناحية التطبيقية فأنا شايف إن ده مبيحصلش، فأنا لا أوافق على السماح لبعض الأقلام الرجعية المشبوهة، المدانة بالتجسس مثل «على ومصطفى أمين» والأراجوز «صالح جودت» شاعر الملك «فاروق» بالتهجم على أعز المنجزات التى حققتها ثورة يوليو وهى القطاع العام والتأميم والسد العالى وتحالف قوى الشعب، ونسبة الـ50% من العمال والفلاحين فى مجلس الشعب، وأنا مندهش إن ده ينشر فى صحف مملوكة للاتحاد الاشتراكى بينما تتربص المباحث العامة بالشرفاء وتزج بهم فى السجون والمعتقلات لمجرد إبداء الرأى الوطنى الشريف مهما كانت حدة هذا الرأى، وأجد هذا تناقضا صارخا بين مواثيق الثورة بين الناحية النظرية وبين التطبيق.
واصل «نجم» إجابته على سؤال المحقق قائلًا: «زائد ما سبق يحدث فى كل أجهزة الدولة فساد وانحراف ورشوة وسرقات وتخريب، وأخص بالذكر وزارة الثقافة لأن على رأس وزارة الثقافة مجموعة من الناس، وعلى رأسهم وزير الثقافة نفسه معادين للثقافة والتقدم وللفكر الإنسانى: فأين بيرم التونسى؟ وماذا قدمت وزارة الثقافة لنشر تراثه الخالد؟ وماذا قدمت لنشر تراث فنان الشعب المصرى العظيم»سيد درويش، وأنا أتساءل: ما المقصود بشعر الحرية، وهل يعنى حرية «على أمين» و«مصطفى أمين» وأمثالهما فى التهجم على الشعب المصرى وقيمه وعلى إعلان ولائهما الوقح للأمريكان وللرأسمالية العالمية المعادية بطبيعتها لمصالح شعب مصر».
سأل المحقق: «هل تعتبر الحكومة الحالية وسلطة الحكم مسؤولة عن هذه المآخذ والعيوب ؟، فأجاب نجم: «بالتأكيد أيوه، لأن السلطة مهيمنة على البلد، وتستطيع منع ذلك»، وشرح أسباب تأليفه للقصائد الثلاث قائلا: «أنا كتبت قصيدة بعنوان»نيكسون بابا»، وأعتقد أن هى موضوع هذه القضية، وأسجل أسفى الشديد لأن جهاز المباحث العامة، قدم بلاغا للنيابة بأنى شتمت نيكسون اللص المنحرف اللى طرده الشعب الأمريكى».
أما عن قصيدتى «حسبة برما» و«ع اللى حاصل فى الحواصل» فقال نجم: كتبت «حسبة برما» رداً على المهاترات والسخافات التى دأبت «الأخبار» و«أخبار اليوم» على نشرها أثناء استقبال نيكسون فى مصر، وعلمت قصيدة «ع اللى حاصل فى الحواصل» هاجمت فيها الشيوعيين ومن يسمون أنفسهم بالتقدميين للمناحة التى أقاموها على «هيكل» حينما عزله السيد رئيس الجمهورية باعتباره شهيداً وبطلًا، وعلقت فى القصيدة أيضا على قضية «ميمى شكيب» بالعطف عليها، لأننى أرى أنها قدمت خدمات جليلة للفن المصرى، فضلا عن أنها ليست المومس الوحيدة فى مصر، والدعارة تمارس علنا فى كل مرافق الدولة».
تفجرت قضية ميمى شكيب فى شهر فبراير 1974 بالقبض عليها بتهمة إدارة بيتها فى أعمال منافية للآداب واشتهرت القضية باسم «الرقيق الأبيض» و«قضية الآداب الكبرى» وبعد 170 يوما من محاكمة الفنانة وآخرين معها حصلن على البراءة.
شملت التحقيقات فى هذه الجلسة أسئلة حول القصد من بعض التعبيرات الشعرية فى القصائد الثلاث منها قوله فى «شرفت يا نيكسون بابا» عبارة: «سلاطين الفول والزيت»، و«فرشوا لك سكة أوسع من راس التين على مكة»، وأجاب نجم: المقصود بـ«سلاطين الفول والزيت» هو شتمة مهذبة للشتمة الشعبية «ابن سلاطين الكلب» وأقصد بـ«اللى فرشوا له السكة» عملاء أمريكا، الذين بالغوا فى الحفاوة بـ«نيكسون».