كاتب وأديب كبير عندما تقف أمامه لتتحدث معه تشعر أنك أمام موسوعة تاريخية وثقافية كبيرة، يمتلك عقلية متحضرة إلى أبعد الحدود، كما لديه ملكة خفة الدم وطريقة ممتعة فى السرد، فى جعبته العديد والعديد من الحكايات التى عاصرها مع كبار المثقفين مثل نجيب محفوظ، وعملاقة الفن مثل أم كلثوم، تجد نفسك منصت إليه بكل جوارحك وهو يحكى عن حكايات من حكايات الزمن الجميل، فهو الكاتب الكبير محمد سلماوى.
تتميز شخصيته بالتواضع يصافح الناس وهو مبتسم ومرحب بالجميع، يهتم لما يقولوه إليه حتى إذا كان لا يمثل لديه اهتماما وذلك احتراما للآخرين، وهذا ما رايته بنفسى فى العديد من المرات التى التقيت بها مع الكاتب الكبير محمد سلماوى، وآخرها كان أثناء تغطيتى للمؤتمر العام لاتحاد الكتاب والأدباء العرب فى أبو ظبى، فكان عندما ينزل إلى فنار الفندق تجد الكل يتصارع لأن يصافحه وفى لحظة تجد الكل من حوله مرحبين به ويريدون أن يجلس معهم.
وكان أبرز المواقف التى شدت انتبهى من لحظة وصوله إلى الفندق المقام به المؤتمر العام لاتحاد والذى كان من المفترض أن يعلن به سلماوى عن فترة انتهاء رئاسته للاتحاد، كان يبحث بين الأعضاء عن تنصيب رئاسيا بالتوافق وبالإجماع وهذا ما حدث بالفعل وأشاد به جميع الدول الحاضره، ولكن قبل هذا طالبته جميع الدول بترشيح نفسه لرئاسة الاتحاد مرة أخرى وهذا مار رفضه "سلماوى" قائلا: لن أسمح لنفسى بمخالفة القانون حيث أن قانون الاتحاد ينص على أنه لا يجوز للأمين العام ترشيح نفسه لأكثر من دورتين، على أن تكون كل دورة ثلاث سنوات.
ومن واقع الكلام عدة دروس مستفادة يجب أن نلقى الضوء عليها اولها الطريقة المتحضرة من تداول السلطة فإذا تعاملت الدول والحكومات بهذه الطريقة ما كنا سمعنا عن صراعات ومشاجرات وحروب تؤدى بالمجتمعات إلى التخلف، وثانى هذه الدروس هو عدم الطمع والتمسك فى الكرسى، وثالثها احترامه للقانون.
وللكتاب الكبير الكثير من المواقف المشرفة التى يحفرها التاريخ بين طيات صفحاته خلال الأزمة الأخيرة عندما تم رفع دعوة ضد جريدة "أخبار الأدب" من قبل أحد المحامين، لأنها نشرت فصلا من رواية "استخدام الحياة" لأحمد ناجى، باعتبار خادش للحياء، وقامت المحكمة بطلب شهادة محمد سلماوى وصنع الله إبراهيم وجابر عصفور، وهذا ما أثنى عليه محمد سلماوى، قائلا: هذا موقف تاريخى من المحكمة التى رأت الاستعانة بجهات الاختصاص وهم فى هذه الحالة الأدباء أبناء المهنة، مضيفا فمن يطالب بحظر أى كتاب أو عمل أدبى أو فنى هو ليس فقط على غير دراية بالأدب والفن وإنما هو أيضا لم يقرأ الدستور الذى أكد على حرية التعبير وطالب الدولة بحماية الإبداع الفنى والمبدعين كما حظر بشكل قاطع الأحكام السالبة للحريات فيما يتعلق بقضايا النشر والكتابات الصحفية والأدبية والفنية، وذهب سلماوى لإلقاء شهادته والتى انفرد "انفراد" بنشرها، وانتهت القضية بتبرئة الجريدة والكاتب.