رواية "باب الليل" للكاتب وحيد الطويلة، مشغولة دائما بالحكايات الكبرى والقضايا المؤثرة فهى تتناول جزءاً كبيراً من القضية الفلسطينية خاصةً فيما يتعلق بتونس، فالفلسطينيون بعد عقد معاهدة "أوسلو"، رحل منهم من رحل وظل البعض الآخر فى تونس بعدما رفضت إسرائيل استقبالهم أو السماح لهم بالعودة للأرض المحتلة.
وفى الرواية جعل "الطويلة" مقاهى تونس هى أصل الحكايات، فاستمع الكاتب لرواد المقهى المختلفين ولحكاياتهم ومآسيهم الخاصة، واستمع للمناضلين الفلسطينين الموجودون بالمقهى واللذين دارت أحداث الرواية حولهم بعد عدم تمكنهم من العودة إلى فلسطين مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، ليظلوا مكانهم فى تونس كلاجئين، فنرى أن الرواية توقفت كثيراً أمام القضية الفلسطينية، لترصد علاقة هؤلاء المناضلين ببائعات الهوى فى المقهى بعد أن فقدوا الأمل فى نضالهم.
وكان المقهى هو المكان الأساسى بالرواية، مما أضفى جواً واضحاً عن المشاعر الإنسانية خاصةً النسائية، فقد برع الكاتب فى الكتابة عنهن وعن مشاعرهن، هذا بالإضافة إلى براعته فى الحديث عن النضال و الجهاد، حيث يصور وحيد الطويلة مشهداً حياً للمجتمع العربى والمشكلات التى تنتشر فيه.
ومن خلال الأحداث ينفتح "باب الليل" ليكشف عن إمكانية تبدل مصير الإنسان كاملاً دون إرادة منه أمام قهر السلطة السياسية المستبدة والتغيرات الكبرى وبالمقابل ضعف المقهورين.
وقد حظيت الرواية بعدد كبير من القراءات النقدية منها ما كتبه محمد برادة" تكتسب رواية «باب الليل» قيمتها المميّزة من البناء والشكل، ومن اللغة ذات المرجعية المتعددة المستويات، ومن الأسلوب الحادّ المُكثف. وهى عناصر تتلبّس الموضوع الإروتيكى السياسى، بطريقة مُتلاحمة تحقق التلاؤم والتفاعل، وتستنطق المنطقة المُلتبسة التى تُنسج داخلها الأحداث وتُستعادُ الذكريات. علماً أنها رواية يكتبها مصرى مُستوحياً فضاءات تونس وتجليات حياتها اليومية، وفى ذلك جرأة وإضافة، إذ قليلاً ما نطالع نصوصاً يتعدى كاتبوها «حدودهم» الإقليمية. وقد استطاع وحيد الطويلة أن يُلملم أصداء الليل فى تونس، وأن يعبر بحرية وانطلاق عن الكامن والمُختبئ، ضمْنَ نسيج سردى جاذب وممتع، مؤكداً بذلك أن جيلاً روائياً جديداً هو بصدد استكشاف أصقاع مغايرة للتخييل وتوسيع المعنى.
لكن يأخذ البعض على "الطويلة" السقوط فى النظرة التشاؤمية، فالجميع خاسرون، هو يكتب عن مقهى "لمة الأحباب" التونسى، لكنه من خلال اللغة المعبرة يتجاوز ذلك إلى خارجه إلى الشوارع الخلفية إلى تنفيذ الصفقات التى تتم داخل المقهى وتنفذ خارجه، كل ذلك وأبو شندى وأبو جعفر وشادى رموز القضية الفلسطينية يشاهدون ما يحدث، رجال بهم سماتهم الحسنة وعيوبهم القاتلة لكن الوطن المغلوب على أمره يسيء إليهم ويضعهم فى خانة "اليأس" حتى يظل "أبو شندى” دائم المقارنة بين فلسطين والدول الأخرى، والثورة الفلسطينية وقادتها من جانب والمومسات من جانب آخر وعادة ما ينتصر للمومسات، هو نموذج البطل المهزوم المحتار بين الواقع والمثال، يقول "أصبحنا بقايا، بقايا نضال وبقايا حياة، هنا لا أعيش ولا أموت" ويذهب كل يوم تقريبا إلى الشاطئ الذى أبحرت منه سفن الفلسطينيين العائدة إلى رام الله ليتأكد أن الشاطئ ما زال فى مكانه فى انتظار العودة الحقيقية فهو لا يسمى عودتهم بعد "أوسلو" عودة لكنه يسميها رحيل، لكن "وحيد الطويلة" غير متفائل بمستقبل "الثورة الفلسطينية" ففى كتابة تستدعى التوقف يضيع "الطويلة" من "أبو شندى” آخر أمل له فى العودة، عندما يذهب للشاطئ فيجد الكتل الخرسانية قد زرعت فى "الحافة" وصور السيد الرئيس تحوطها فينقبض قلبه، فنتساءل لماذا لم يرحم "الطويلة" هذه "الأرواح المتعبة" ونكأ الجرح للنهاية حتى أضاع الأمل.