كانت الساعة الثالثة صباح مثل هذا اليوم «17 أكتوبر 1973» حينما أيقظ الضابط المناوب، الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وأخبره بأن اللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث يريد محادثته تليفونياً، وحسب الشاذلى فى مذكراته «دار رؤية - القاهرة»: «أخبرنى واصل بأن اللواء 25 المدرع لن يستطيع التحرك فى هذا اليوم لأسباب فنية».
كان قرار وزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل يوم 16 أكتوبر، وبموافقة الرئيس السادات يقضى بقيام اللواء المدرع 25 بتوجيه ضربة من شرق القناة فى اتجاه من الجنوب إلى الشمال لإنهاء ثغرة الدفرسوار التى أقدمت إسرائيل عليها، وكان «الشاذلى» يرى سحب بعض قواتنا من الشرق وتوجيه ضربتنا الرئيسية ضد الثغرة من «الغرب»، يؤيده فى ذلك قيادات أبرزهم اللواء «واصل»، لكن السادات رفض هذا الرأى وهدد الشاذلى بمحاكمته، ووفقاً لـ«الشاذلى»: «كان واضحا أن اللواء واصل وقائد اللواء المدرع يتوقعان كارثة بالنسبة لهذا اللواء، ويريدان خلق المشكلات، التى قد تؤدى إلى منع قيامه بهذه العملية الانتحارية»، ويؤكد أنه عارض «واصل» فيما قاله كمبدأ عام، فللقادة حق الاختلاف قبل اتخاذ القرار، أما بمجرد اتخاذه فيعمل كل منهم قدر طاقته لتنفيذه وإنجاحه، ويؤكد أن «واصل» بعد حديث طويل له قال بيأس شديد: «لا حول ولا قوة إلا بالله، سأقوم بتنفيذ هذه الأوامر، ولكنى أقولها مسبقا سوف يدمر هذا اللواء».
صدقت توقعات «واصل»، فحسب مذكرات محمد عبدالغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات أثناء الحرب: «تعرض اللواء 25 مدرع أثناء تقدمه لقصف جوى شديد، وهجوم مضاد على جنبه الأيمن من مدرعات العدو، فتكبد خسائر كبيرة واضطر للتوقف، وبالتالى لم يتم سد الثغرة من الشرق».
كان الرئيس السادات - حسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 73 - السلاح والسياسة» - يتلقى تقارير أولية عما يجرى، وكان أثرها المبدئى عليه هو أن طلب إخطار «كوسيجين» رئيس الوزراء السوفيتى برجائه تأجيل اجتماعهما صباح اليوم «17 أكتوبر» إلى بعد الظهر، ولما التقيا لم يكن فى أحسن أحواله وراح يلوم الاتحاد السوفيتى على تقصيره فى إمداد مصر بالسلاح،
وحاول التهوين من شأن الثغرة، لكن صبر «كوسيجين» نفذ وبدا ذلك من حديثه قائلاً: «كنا قبل هذه الأزمة أصدقاء، وبهذه الأزمة ونحن فيها معا أصبحنا حلفاء، وقدمنا إليكم كل ما طلبتموه منا، وحتى هذه اللحظة نقلنا ستة آلاف طن من المعدات، وحاربتم بالمعدات السوفيتية فى الأيام الأولى بطريقة أثبتت كفايتها وكفاءتها، وبعد ذلك فإن إدارة المعركة كانت فى أيديكم ونحن لم نقترب منها، مع أنه كانت لنا ملاحظات على الطريقة التى دخلتم بها إلى المعركة وحققت انتصارا مبدئيا شهد به العالم لكم، ثم توقفتم بعد ذلك دون سبب مفهوم، وقد تركتم حلفاءكم على الجبهة الشمالية حتى يضربهم العدو ثم يتحول إليكم، ومع ذلك فأنا لا أريد أن أدخل فى تفاصيل إدارة مجهودكم الحربى لأن ذلك شيئا يخصكم، والاتحاد السوفيتى ليس على استعداد لقبول ماقلتوه».
ثم تحدث كوسيجين، عن «الثغرة» قائلاً حسب هيكل: «صديقنا السادات يقلل من الخطر الذى تواجهه القوات المصرية وأنا مضطر أن أضع أمامه الحقيقة حتى يستطيع أن يقيم حساباته على أساس سليم، والتفت إلى أحد العسكريين من أعضاء وفده الذى رفع حقيبة كان يضعها تحت مائدة الاجتماع، ثم فتحها وأخرج منها مظروفاً كبيراً سلمه «كوسيجين» الذى أخرج منه صوراً ملتقطة بالأقمار الصناعية عددها 18 صورة، وقام كوسيجين من مقعده متجها إلى السادات، ثم وضع أمامه الصور راجيا منه أن يدقق النظر فيها.
كانت الصور واضحة بطريقة مذهلة، حسب هيكل، وبدت فيها الثغرة الإسرائيلية وما حولها وعليها علامات ودوائر مرسومة تحدد مواقع القوات الإسرائيلية وطوابيرها، وراح كوسيجين يشرح قائلا: «هذه الصور لا تشير إلى قوات صغيرة فحتى ساعة التقاطها ظهر اليوم كان لإسرائيل فى الغرب 760 قطعة مدرعة بين دبابات وعربات مصفحة، وهذه قوة كبيرة، وتعزيزها لا يزال مستمراً، وأنتم أمام موقف خطير تفرض عليكم الظروف مواجهته، ووقفه عند حده».
استمع السادات بإحساس قاله فيما بعد: «لم أشعر بكراهية للروس قط مثلما شعرت بها فى هذه اللحظة»، وتضايق حين قال له كوسيجين إنه سيمد زيارته إلى الغد «18 أكتوبر».