واصل الرئيس «السادات» اجتماعاته مع قادة الجيش المصرى حتى الساعة الواحدة عند منتصف ليلة «مثل هذا اليوم 20 أكتوبر 1973»، بالمركز «رقم 10»، الذى يتم منه الإدارة العسكرية للحرب، التى بدأت منذ يوم «6 أكتوبر» ضد إسرائيل، وكانت «ثغرة الدفرسوار» هى الحدث الذى يفرض نفسه على الجميع، وطبقا لوصف محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 1973 - السلاح والسياسة»: «كانت الصورة هناك كما يبدو من روايات شهودها مزعجة إلى أقصى درجة»، وهناك ثلاث روايات عما دار فى هذا الاجتماع، الذى يعد نقطة التحول الكبرى فى موقف مصر من الحرب.
الرواية الأولى ويذكرها «السادات» فى كتابه «البحث عن الذات» ونصها: «فى يوم 16 أكتوبر ظهر فى الكتاب على هذا النحو، والتاريخ ليس دقيقاً وصحته 18 أكتوبر»، أرسلت رئيس الأركان الجنرال سعد الدين الشاذلى للتعامل مع الثغرة، وفى يوم 19 عاد منهاراً، وقال لابد أن نسحب قواتنا فى شرق القناة لأن الغرب مهدد، وكان هذا هو ما يريده الإسرائيليون، فطلب منى أحمد إسماعيل فى منتصف ليلة 19 - 20 أكتوبر أن أذهب إلى القيادة حتى اتخذ قراراً مهماً بوصفى القائد الأعلى للقوات المسلحة، ذهبت واستعرضت الموقف، وبعدما اتضح الموقف لى جمعت القادة كلهم، وكان معى الفريق أحمد إسماعيل، الفريق الجمسى مدير العمليات، الفريق حسنى مبارك، الفريق محمد على فهمى قائد سلاح الصواريخ «يقصد الدفاع الجوى»، وكانوا جميعا من رأيى وهو أنه لم يحدث شىء يستدعى القلق، فأعطيت الأمر الذى اعتبره أهم من قرار 6 أكتوبر، بأن لا ينسحب جندى واحد ولا بندقية واحدة، ولا أى شىء على الإطلاق من شرق القناة، وعلينا أن نتعامل مع الغرب حسب الأوضاع الموجودة، ثم بدأت أتصل بنفسى مع الفرقة المدرعة فى الغرب، وكان يقودها ضابط اسمه «قابيل» وهو بطل من أبطال حرب أكتوبر، وقلت له: «ثبت الإسرائيليين ولا تجعلهم يتمكنون من التوسع، وإياك أن تشتبك معهم إلى أن تصلك الإمدادات، وفى هذه الليلة أعطيت أوامر لأحمد إسماعيل بعزل الشاذلى على أن لا يعلن هذا القرار على القوات حتى لا يحدث رد فعل عندنا أو عند الإسرائيليين، وفى نفس الليلة استدعيت الجمسى وعينته رئيسا للأركان».
أما «الشاذلى» فيذكر أنه بعد أن فشل فى إقناع «إسماعيل» بسحب جزء من قواتنا من الشرق إلى الغرب، أفضى لبعض مساعديه بأننا مقبلون على كارثة، وطلب من إسماعيل بأن يحضر الرئيس للاستماع إلى رأى القادة، وحضر الرئيس لكنه وحسب قول الشاذلى: «توجه فورا إلى غرفة أحمد إسماعيل، حيث بقى معه ما يقرب من ساعة، بينما كنت أنا مجتمعا مع باقى الأعضاء فى غرفة المؤتمرات الملاصقة لغرفة العمليات نتبادل وجهات النظر حول الموقف، وفى النهاية دخل علينا الرئيس ومعه أحمد إسماعيل والمهندس عبدالفتاح عبدالله، وطلب الكلمة من المجتمعين واحدا بعد الآخر، وشرح كل منهم موقف القوات بأمانة تامة، وبعد أن استمع إليهم لم يطلب منى الكلمة، وعلق قائلا: «لن نقوم بسحب أى جندى من الشرق» يضيف الشاذلى: «لم أتكلم ولم أعلق» ويضيف: «ادعى السادات فى مذكراته بأننى عدت من الجبهة منهارا يوم 19 أكتوبر، وطالبت بسحب قواتنا من الشرق لأن الغرب مهدد ويؤسفنى أن أقول هذا كذب رخيص، كنا ثمانية أشخاص مات واحد منهم والباقى أحياء، وأتحدى إذا كان أحد من هؤلاء الأحياء يستطيع أن يشهد بصدق ما يدعيه السادات».
أما الراوية الثالثة فهى للمشير الجمسى، وكان هو المتحدث الثانى أمام السادات فى الاجتماع بعد مدير المخابرات الحربية اللواء فؤاد نصار ويشهد: «فى مثل هذا الموقف المعقد الذى كانت تواجهه قواتنا تتعدد الآراء وتتباين وجهات النظر، وعندما يتخذ القائد العام، وأى قائد فى مستوى أقل قراره فلابد أن تلتزم قيادته وقواته بالتنفيذ، لقد عاصرت الفريق الشاذلى خلال الحرب، وقام بزيارة الجبهة أكثر من مرة، وكان بين القوات فى سيناء فى بعض هذه الزيارات، وأقرر عندما عاد من الجبهة يوم 20 أكتوبر لم يكن منهارا، كما وصفه الرئيس السادات فى مذكراته بعد الحرب، لا أقول ذلك دفاعا عن الفريق الشاذلى لهدف أو مصلحة، ولكنها الحقيقة أقولها للتاريخ».