"خلق تعابير شعرية جديدة فى الأغنية الشعبية الأميركية".. بهذه الجملة وصفت الأكاديمية السودية العالمية، حيثيات منحها لجائزة نوبل للآداب لعام 2016، للأمريكى بوب ديلان، وهو مغنى وملحن وشاعر وفنان أمريكى، ولد فى 24 من مايو 1941.
على مدار خمسة عقود عرف بوب ديلان بكونه شخصية مؤثرة فى الموسيقى والثقافة الشعبية، فقد نالت أعماله شهرة كانت فى فترة الستينات، حيث جاءت كلمات أغانيه معبرة عن الحكمة والاحتجاج، كانت الثورة عاملاً أساسياً فى هذه الفترة معبراً كونه من الطبقة العاملة والمضطهدة فى أمريكا، فأتت أغانيه كنشيد لحركة الحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيون والحركة المناهضة لحرب فيتنام.
ومن هنا أدرجت كلمات "ديلان" مجموعة متنوعة من التأثيرات السياسية والاجتماعية والفلسفية والأدبية، وتصدت لموسيقى البوب وأحدثت تغييراً كبيراً فيه، مناشداً بذلك الثقافة المضادة ثم المزدهرة.
حمل بوب يلان ثورته بداخله، فأتت كلماته وموسيقاه معبرة عنها، حتى وصل عام 1961 إلى نيويورك، حاملاً سلاحه فى يده، قيثارته، وكانت هذه المدينة آنذاك مزدحمة بالبارات والمقاهى والنوادى التى تقترح حفلات لموسيقى الفولك وغالبية المغنين يكتفون بإعادة أداء أغانى الفولك القديمة.
كانت الموسيقى فى نيويورك آنذاك كانت تعيش على إيقاع حيوية ثقافية صاخبة بفضل شعراء وكتاب حركة "البيتنيكس"، ولم يلبث "ديلان" أن تعرف عليهم، وبخاصة ألن غينسبرغ، الذى استشعر فيه منذ اللقاء الأول بذور عبقرية موسيقية جديدة، فشجعه على كتابة نصوص أغانيه وتطعيمها بحمولة ثورية احتجاجية كانت غائبة تماماً عند مغنيى الفولك التقليديين.
تلك الثورة عبر عنها "ديلان" فى أعماله، وخلقت له جمهوراً كبيراً، ووفقاً لثورته اللغوية والموسيقية منحته نوبل جائزتها للآداب 2016، لكن السؤال الذى يطرح نفسه منذ إعلان فوزه وموقفه المريب حتى الآن، هو: هل يمك اعتبار صمت بوب ديلان إزاء جائزة نوبل للآداب ثورة جديدة؟، وإذا كانت ثورته الأولى التى صنعت شهرته جاءت فى ثوب كلماته الشعرية والموسيقية والطفرة التى أحدثها فى الثقافة الشعبية الأمريكية، فلماذا اختار الصمت إذًا؟!.
هذه الطريقة التى فضلها بوب ديلان حتى الآن، أو ما يمكننا أن نطلق عليها "ثورة الصمت"، دفعت أعضاء بالأكاديمية السويدية للخروج عن صمتهم، وانتظارهم لموقفه، ففى البداية أعلنت الأكاديمية أنه لم يقم بالرد على اتصالاتهم به، أو رسائلهم له، حتى صرح "بار بير فاستبرغ"، عضو لجنة تحكيم جائزة نوبل: "إذا لم يتواصل معنا قريباً، ولنقل خلال الشهر المقبل أو نحو ذلك، فسوف أعتبر ذلك وقاحة وتكبراً"، مضيفاً فى تصريحات للتلفزيون السويدى العام "إف فى تى"، "هذا الأمر ينم عن فظاظة وتعجرف".
وربما تسببت تصريحات "بار بير فاستبرغ" فى أزمة داخل أروقة الأكاديمية السويدية، وهو ما يفسر خروج سارا دانوس، الأمينة الدائمة للأكاديمية السويدية، لتصرح وتؤكد على أن ما قاله "بار بير فاستبرغ"، وهو رأيى شخصى لا يمثل موقف الأكاديمية.
وعلى الرغم من ذلك، لم تمنع "دانوس" نفسها من التصريح لوسائل الإعلام قائلة: "هو حر فى عدم المجىء أن أراد ذلك. وهذا لن يردعنا عن إقامة حفل كبير، فهو جدير بهذا التكريم".
ستظل "ثورة الصمت" مستمرة حتى يقطعها بوب ديلان يفسر فيه موقفه، وربما يحدث ما هو أسوأ وتبقى ثورة "ديلان" فى ثوبها المريب إلى ما بعد احتفال تسليم الفائزين بجوائز نوبل 2016، وهو الحفل الرسمى الذى يقام فى العاشر من ديسمبر من كل عام تزامناً مع ذكرى وفاة صاحب جائزة نوبل، الصناعى السويدى، علماً بأن جائزة نوبل للسلام تسلم فى مدينة أوسلو، بينما تسلم الجوائز الأخرى من قبل ملك السويد فى مدينة ستوكهولم.