فاجأ رئيس حزب العمال البريطانى، زعيم المعارضة «هارولد ويلسون» الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل بقوله: «ذات يوم كنت أتحدث مع الجنرال «ييجال آللون» نائب رئيسة وزراء إسرائيل «جولدا مائير»، وقال لى: «لو أتيحت لى فرصة ساعة واحدة فى اجتماع مع جمال عبدالناصر لاستطعنا حل المشكلة فى ساعة»، واستطرد «ويلسون»: «قال لى آللون إنه كان يعرف جمال عبدالناصر، التقى به مرة فى فلسطين سنة 1948، وإنه من يومها ظل يذكره حتى فوجئ به على رأس الثورة المصرية 23 يوليو 1952».
كان لقاء «هيكل» بـ«ويلسون» بالإضافة إلى رئيس الوزراء البريطانى «هيث» فى لندن، وكتب عنه «هيكل» فى مقاله الشهير بالأهرام «بصراحة» تحت عنوان «لقاءات السفر»، وشملت أربع حلقات فى يناير 1971، وفى «لقاء لندن» جاء الحديث عن لقاء «عبدالناصر» و«آللون»، وهو اللقاء الذى زيف حقيقته البعض، خاصة جماعة الإخوان، وتبدأ قصته خلال حرب 1948 بين الجيوش العربية، ومنها الجيش المصرى والعصابات الصهيونية فى فلسطين، وشهدت هذه الحرب مأساة «حصار الفالوجة» من العصابات الصهيونية بدءًا من يوم 16 أكتوبر للواء الرابع بقيادة الأميرالاى السيد طه، الشهير بلقب «الضبع الأسود»، ووفقًا للجزء الثالث من كتاب «فى أعقاب الثورة المصرية - ثورة 1919» لعبدالرحمن الرافعى: «استمر الحصار مائة وثلاثين يومًا كاملة والقوة المصرية صامدة لا تذعن ولا تستسلم، واحتمل أفرادها عناء القتال والحصار بثبات وشجاعة وصبر، جعل منهم مفخرة من مفاخر الجيش المصرى».
كان الرائد جمال عبدالناصر قائدًا لأركان حرب الكتيبة السادسة، التابعة للواء الرابع المحاصر، وفى يوم 11 نوفمبر 1948، وحسب «هيكل» فى الجزء الثانى من كتابه «العروش والجيوش - يوميات حرب فلسطين 1948» عن «دار الشروق - القاهرة»: «استطاعت هيئة مراقبى الأمم المتحدة أن ترتب اجتماعا تحت مظلة الأمم المتحدة بين الأميرالاى السيد طه وبين «آللون»، القائد الإسرائيلى للجبهة الجنوبية، فى مستعمرة «جات»، وحضره أركان حرب الكتيبة السادسة الرائد جمال عبدالناصر، وفى الاجتماع تابع مراقبو الأمم المتحدة نوعًا من الإنذار المبطن وجهه «آللون»، حيث راح يشرح لـ«طه» صعوبة موقفه، وأنه محاصر بلا أمل فى نجدة «لا مدد - لا رجال - لا سلاح - لا ذخيرة - حتى لا طعام»، وبالتالى فإن الأفضل له أن يقبل باستسلام مشرف لقواته بدلًا من خسائر لا معنى لها وبغير نتيجة».
ألمح «آللون» - طبقا لـ«هيكل» - بطريق ملتوٍ أن «طه» يستطيع الخروج بقواته «إذا انسحب الجيش المصرى كله من فلسطين، وإذا قبلت الحكومة المصرية مبدأ عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل»، لكن «طه» رفض الإنذار، ورد بالتجاهل، وخرج معه أركان حربه جمال عبدالناصر، واستمر «جيب الفالوجة يقاوم».
ظل هذا اللقاء فى ذاكرة «آللون» يرويه لمن يقابله من قادة العالم، ومنهم «هارولد ويلسون» الذى نقله إلى «هيكل»، فأوضح «هيكل» حقيقته للزعيم البريطانى قائلًا له: «آللون صنع قصة تناسب مطامعه السياسية، إن ما يشير إليه له أساس فى وقائع سنة 1948، وسمعت تفاصيل ما حدث بنفسى من جمال عبدالناصر فى أكثر من مرة، كان جمال ضمن القوة المحاصرة، وجاء أحد ضباط الهدنة الدولية ومعه ضابط إسرائيلى فى يوم من الأيام يحمل علمًا أبيض إلى المواقع المصرية، وقال الضابط الإسرائيلى إن اسمه «يوريهان كوهين»، وإنه مكلف بنقل رسالة من القائد الإسرائيلى لقوات الحصار حول الفالوجة إلى القائد المصرى للقوات المحاصرة، وذهبوا بالضابط فقابل قائد القوة، وكانت الرسالة طلبًا بالخروج من المواقع المحاصرة بسلام، والعودة إلى المواقع المصرية بغير قتال».
يضيف «هيكل»: بعث قائد الفالوجة، السيد طه، إلى القائد العام المصرى وقتها اللواء أحمد فؤاد صادق بمضمون الرسالة، وطلب توجيهه، فصرح له بأن يبحث الموضوع على أساس الخروج بكامل السلاح، أو يبقى فى مكانه، ورتب ضابط الهدنة اجتماعًا فى مستعمرة «جات»، وذهب قائد القوة المصرية ومعه أركان حرب الكتيبة جمال عبدالناصر، ودام هذا الاجتماع ثلث ساعة وقوفًا، ولم ينته لشىء لأن «آللون» كان يريد من القوات المصرية أن تترك سلاحها وتذهب، وكانت مشاركة عبدالناصر بعبارة واحدة هى: «ليس كما تظن»، قالها عندما سمع «آللون» يقول: «موقفكم يائس، ولا أمل لكم إلا ما أعرضه عليكم».