بلغة بسيطة وعميقة- فى آن- يكتب، وبإغراقه فى تفاصيل واقعيه يجذبك إلى عالمه المتخيل، يجعلنا تمشى جنباً إلى جنب بجوار أبطاله فى عوالمهم، ورغم أن رواية "صك الغفران" هى الرواية الأولى للكاتب الشاب إيهاب مصطفى، إلا أنها تؤكد موهبته وتشير بشكل واضح إلى مستقبله الإبداعى فى عالم السرد.
قال الروائى إيهاب مصطفى، كل لغة تفرض نفسها فى الرواية، لا يوجد شىء اسمه لغة موحدة، هناك عوامل كثيرة تفرض نفسها فى خيارات اللغة المستخدمة، الراوى نفسه له جزء كبير، فضمير الأنا يختلف كلية عن الراوى العليم مثلا، كما أن البيئة نفسها لها جزء كبير من اللغة والوعى بها، كما أن وعى الشخوص له قدر كبير من هذا الاختيار، إذن الكاتب نفسه لا يفرض اللغة فى الرواية، ولا يوجد شىء اسمه لغة موحدة.
وحول كون نجيب محفوظ وغيره من الروائيين كان لديهم أسلوب ولغة شبه موحدة، قال إيهاب "نجيب محفوظ كان يكتب عن مشروع متكامل، والمكان عند محفوظ يشبه "اللوكيشن" كل ما يتغير هو أثاث المكان إنما المكان نفسه ثابت، وعى الشخوص ثابت، وأحيانا الضمير المستخدم ثابت، وبالتالى فكل هذه الأمور شكلت أسلوبا موحدا فى اللغة والمفردات.
وعن موضوع روايته الذى دار حول الفتنة الطائفية فى المجتمع المصرى، علق "مصطفى" قائلا "الفتن الطائفية لم ولن تنتهى طالما أن الوعى نفسه لم يتغير، وما تروج له الدولة من التعايش السلمى ما بين المسلمين والمسيحيين فضحته مواقع التواصل الاجتماعى، لم ولن يحدث تعايش سلمى طالما أن الوعى لم يتغير، نحن لا نعالج الأساس، نحن نحاول تخطى النتائج بـ"قعدات العرب".
وتابع إيهاب مصطفى حول الشبه الذى يجمعه بـ عبد الله بطل "صك الغفران"، لكل منا جزء ذاتى يلون أجزاء ما فى الرواية، هذه الأجزاء هى القناعات والرؤى والأيديولوجيات عموما، أنا لست عبدالله، أنا لست متسامحا إلى هذا الحد، ولكن جزءا كبيرا من قناعات عبد الله هى قناعاتى، رؤية عبد الله للعالم هى رؤيتى، عبد الله تجربة أحادية فرضتها ظروف معينة فكان لزاما عليه تفكير معين يتوائم وتلك النشأة ويتناسب وتلك الظروف، عبدالله كان يدرك أن هناك طريقين.. إن لم تكن قاتلا فستكون مقتولا.
وعن مشروعه الأدبى، قال "مصطفى" مشروعى الكتابى يتعلق بالإنسان، وقماشة الإبداع كبيرة جدا فى الجنوب، لذلك لو كتب الآلاف عن الصعيد فسيجد الكثير أيضا فرصهم فى الكتابة، أنا أكتب من واقع معرفتى ورؤيتى لهذا العالم وتشكيله ومحاولة التعبير عن الموجود والمفقود فى ذات الإنسان، كما أننى مهتم بالجانب الإبداعى الحقيقى وهو طريقة المناقشة للأعمال، فهناك رواية ستصدر قريبا كتبتها بواقعية سحرية وربطتها بالنجع، حتى القصص نفسها لا تبتعد عن النجع وتناقش ثيمات من خلال وجهات نظر الشخوص مثل الموت والحياة والمعاناة والسعادة وكل ما يتعلق بالإنسان.
وفيما يتعلق بدلالة ألوان الأشخاص كما جاء فى الرواية، قال طبعا يمكن قياس الشخوص من دلالات الألوان وما يرمى إليه اللون فى عقل الشخص، وهناك أناس يحبون ألوان بعينها ولا يدركون لماذا هذه الألوان بالذات، وهذا يحدث لأنهم يتفقون بغير إدراك مع دلالات هذه الألوان وما تمثله فى دواخلهم وقناعاتهم، ربما يعد الأمر مغايرا بالنسبة للمجتمعات المفتوحة، ولكن فى النجوع والمجتمعات المغلقة تشكل هذه القناعة وجودا كبيرا داخل عقول الأشخاص هناك.
يرى المؤلف أن التكنولوجيا سبب فعلى من أسباب زيادة حدة الطائفية فى مصر، لأن الأمر منوط بالوعى، وغالبًا معظم المعارك الطائفية تقع بسبب الانتقام للبطل المهزوم أو للمعارك التى انتصر فيها أحدهم على الآخر فيهب من هنا لنصرة من هناك بدون وعى.
وعن مستويات اللغة المستخدمة فى الرواية قال، أريد القول بأنه لا توجد هناك لغة موحدة ولا يوجد ما يسمى باللغة الواحدة، الكتاب متنقل ويجب أن يمتلك قاموسا لغويا قادرا على التنقل بين الأساليب بحسب الشخوص والوعى والبيئة والكثير من هذه الأمور، ولكن من يصر على مناقشة كل الروايات بأسلوب معين دون أن يمتلك مشروعا فهذا فى رأيى ضعف شديد.
وأضاف إيهاب مصطفى لا يوجد ما يسمى بالرسالة فى الأدب، أنا مثلا أناقش النجع ودرجات الوعى فى النجع، فلو أن هناك رسالة فالموجه إليهم الرسالة هم أصحاب النجع نفسه، لكن هنا نسبة القراءة ضعيفة وبالتالى فشلت الرسالة لأن الرسالة مرسل ومستقبل ووسيط هو الرسالة نفسها، الذين يكتبون عن إسرائيل تقرأ كتاباتهم فى مصر وليس فى إسرائيل، لا يوجد ما يسمى بالرسالة فى الأدب عموما وإلا لكتبنا كلنا أدبا وعظياً.