"إن امبراطورية الصين السماوية لديها ما تحتاجه من السلع.. وليست فى حاجة لاستيراد سلع أخرى من البرابرة" كانت هذه هى إجابة إمبراطور الصين شيان لونج، ردا على طلب الملك جورج الثالث ملك بريطانيا فى نهاية القرن الثامن عشر، بشأن توسيع العلاقات التجارية بين البلدين.
ولم فلم تستطع بريطانيا فى ظل هذه الظروف تصدير إلا القليل جدا من سلعها إلى الصين، وفى المقابل كان على التجار البريطانيين دفع قيمة مشترياتهم من الصين من الشاى والحرير والبورسلين نقدا بالفضة، مما تسبب فى استنزاف مواردهم منها، لذلك لجأت بريطانيا إلى دفع إحدى شركاتها، وهى شركة الهند الشرقية البريطانية (East India Company) التى كانت تحتكر التجارة مع الصين إلى زرع الافيون فى المناطق الوسطى والشمالية من الهند وتصديره إلى الصين كوسيلة لدفع قيمة واردتها للصين.
تم تصدير أول شحنة كبيرة من الأفيون إلى الصين عام 1781، وقد لاقت تجارة الأفيون رواجا كبيرا فى الصين وبدأ الشعب الصينى فى إدمان الأفيون، وبدأ نزوح الفضة من الصين لدفع قيمة ذلك الأفيون، وبدأت مشاكل الإدمان تظهر على الشعب الصينى، مما دفع الإمبراطور الصينى لمنع دخول الأفيون إلى البلاد.
حرب الأفيون الأولى 1840 - 1842
قررت بريطانيا التى كانت فى أوج قوتها العسكرية فى ذلك الوقت إعلان الحرب على الصين لفتح الأبواب من جديد أمام تجارة الأفيون للعودة من جديد، وبحث البريطانيون عن ذريعة لهذه الحرب فاستخدموا مبدأ "تطبيق مبدأ حرية التجارة" وفى ذلك الوقت كانت بريطانيا قد خرجت منتصرة على منافسيها من الدول البحرية فى حروب نابليون وقامت الثورة الصناعية فيها، وأصبحت الدولة الرأسمالية الاقوى فى العالم فلجأت الى فتح اسواق لتصريف منتجاتها الصناعية والبحث عن مصادر رخيصة للمواد الأولية التى تحتاجها لصناعاتها. وكان النظام العالمى فى ذلك الوقت يقوم على مبدئين هما حرية التجارة ودبلوماسية السفن المسلحة. وارسلت بريطانيا فى عام1840م سفنها وجنودها الى الصين لإجبارها على فتح أبوابها للتجارة بالقوة.
استمرت حرب الأفيون الأولى عامين من عام1840 الى عام1842 واستطاعت بريطانيا بعد مقاومة عنيفة من الصينيين احتلال مدينة "دينغ هاى" فى مقاطعة شين جيانج واقترب الأسطول البريطانى من البوابة البحرية لبكين، ودفع ذلك الإمبراطور الصينى للتفاوض مع بريطانيا وتوقيع اتفاقية "نان جنج" فى أغسطس 1842.
واهم ما تنص عليه هذه الاتفاقية هو تنازل الصين عن جزر هونغ كونغ لبريطانيا والتى أصبحت فيما بعد قاعدة عسكرية وسياسية لها وتم فتح خمسة موانئ للتجارة البريطانية ودفع تعويضات لبريطانيين عن نفقات الحرب، وتحديد تعريفة جمركية على الواردات البريطانية باتفاق الجانبين، مما افقد الصين سيادتها فى فرض الضرائب. كما نصت الاتفاقية على تطبيق نص الدولة الأولى بالرعاية فى التجارة.
وفى العام التالى، اجبرت بريطانيا الصين على توقيع ملحق لهذه الاتفاقية ينص بتحديد نسبة5% على الصادرات البريطانية إلى الصين، وتعتبر اتفاقية فان جينج بداية سلسلة من الاتفاقات غير المتكافئة والمهينة التى وقعتها الصين مع الدول الغربية فى ذلك الوقت.
حرب الأفيون الثانية 1856 - 1860
لم تحقق معاهدة "فان جنج" ماكانت تصبوا إليه بريطانيا والقوى الغربية، فلم يرتفع حجم التجارة مع الصين كما كانوا يتوقعون، والحظر على استيراد الأفيون ما زال ساريا، كما أن البلاط الامبراطورى يرفض التعامل مباشرة معهم لذلك قدموا مذكرة بمراجعة الاتفاقات القائمة التى رفضها الامبراطور، لذلك قررت بريطانيا وفرنسا استخدام القوة مرة أخرى ضد الصين وواتتهم الفرصة عند قيام السلطات الصينية فى "جوانج شو" بتفتيش سفينة تحمل العلم البريطانى واعتقال بحاريها وإنزال العلم ومقتل مبشر فرنسى، لشن حرب جديدة على الصين، استطاعت فيها القوات البريطانية والفرنسية دخول ميناء "جوانج شو"، والاتجاه نحو ميناء تيان القريب من بكين، مما جعل الامبراطور يقبل مراجعة الاتفاقات وتوقيع اتفاقية (تيان جين) فى عام1858 بين الصين وكل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا والتى تعطى لهم مزيدا من الامتيازات من أهمها :
فتح خمسة موانئ جديدة للتجارة الدولية وتحديد الأفيون بصفة خاصة من بين البضائع المسموح باستيرادها، حرية الملاحة على نهر اليانج تسى كيانج، السماح بدخول المسيحية فى أرجاء الصين، ونصت اتفاقية تيان جن على التصديق عليها خلال عام من توقيعها.
وحين تأخرت الصين فى التصديق استخدمت بريطانيا وفرنسا القوة مرة أخرى لتحقيق ذلك واستطاعت قواتهما دخول "تيان جن" فى ربيع عام1860 ثم تقدمت نحو بكين ودخلوها فى أكتوبر 1860 وتوجهوا إلى القصر الصيفى للامبراطور الذى يبعد بضعة آميال عن بكين وكان هذا القصر يعتبر من أعظم وأفخم قصور العالم ويحتوى على آثار تاريخية هامة وقام الضباط البريطانيون والفرنسيون بنهب محتوياته لمدة أربعة أيام، وأضرموا فيه النار بعد ذلك. وعن هذه الحادثة كتب فكتور هوجو عن ذلك فقال "دخلت العصابتان البريطانية والفرنسية كاتدرائية آسيا، أحدهما قام بالنهب والآخر قام بالحرق، وأحد هذان المنتصران ملأ جيوبه والثانى ملأ صناديقه ورجعوا إلى أوروبا يدهم فى يد بعض ضاحكين.. ان الحكومات تتحول أحيانا إلى لصوص ولكن الشعوب لا تفعل ذلك.