"لا أتذكر الرّحمة بشكل خاص وأنا طفل، لكنّنى أتذكرها وأنا شاب، أتذكر الأب كارلوس دوراتى أيبارا، الذى التقيته فى الأبرشيّة فى 21 سبتمبر 1953، يوم الاحتفال بعيد القدّيس متّى، كنت فى السّابعة عشرة من العمر، ذهبت للاعتراف وشعرت بأن الرب يرحب بى".. هذا جزء من كتاب "اسم الله هو الرحمة"، للبابا فرانسيس الثانى بابا الفاتيكان، الذى يقوم بزيارة مهمة إلى مصر اليوم.
والفكرة الأساسيّة التى يركّز عليها الكتاب هى مسألة الرّحمة، حيث يؤكّد البابا لجميع أتباع الكنيسة الكاثوليكيّة فى العالم، وعددهم 1.2 مليار شخص، بأنّ كنيستهم لا تسعى إلى إدانة الناس وتجريمهم، بل تريد احتواءهم ونشر الرّحمة بينهم.
والكتاب يرد فى شكل حوار مطوّل مع الصحفى الإيطالى ومتابع شؤون الفاتيكان، أندريا تورنييلى، وقد ناقش البابا فى كتابه هذا تحديّات تواجه الكنيسة، مثل الطلاق والعلاقات الجنسيّة والفساد، فيما يأتى نشر الكتاب بعد أسابيع قليلة من افتتاح البابا سنة يوبيل الرّحمة، وهو المفهوم الذى يعتبره البابا ركيزة ولايته كونه الحبر الأعظم.
وكان البابا قد استقطب اهتمام العالم منذ اختياره لهذا المنصب عام 2013، واسمه الأصلى هو خورخى بيرغوليو، فيما بهر العالم منذ انتخابه بأسلوبه البسيط فى الحياة، إذ أبدل شقق البابويّة الفخمة فى الفاتيكان بحجرة فى فندق الكنيسة، وهو يفضل التنقل فى سيارة اعتياديّة بدلاً من سيارات الليموزين الضخمة، إضافة إلى أمور أخرى جعلت هذا البابا، الأرجنتينى الأصل يكسب حبّ الكاثوليك فى العالم، بل وحبّ وتقدير آخرين كثيرين غيرهم، وذلك لأنّه يطبّق ما يعظ به الآخرين.
وتماشيًا مع إصراره المتكرّر على أنّه يريد أن يتزعّم "كنيسة فقيرة من أجل الفقراء"، بدأ بعد انتخابه بتنفيذ برنامج إصلاحى داخل الفاتيكان، وأعاد تنظيم هيكيليّة الإدارة فيها، ولاحق الفساد والمُفسدين، واستبعد رجال دين كبار اعتبر أنّهم يهتمّون بالترويج لأنفسهم أكثر من الترويج لمصلحة الكنيسة، كما ووضع أيضًا أسلوبًا جديدًا عن كيفيّة تصرّف الكنيسة الكاثوليكيّة فى العالم مع إدانة كلّ من يخرج عن ضوابطها، أو لا ينقل أفكارها المثاليّة.
ويرّكز الكتاب على فكرة الرّحمة التى يعتبرها البابا "أهمّ رسالة للسيّد المسيح"، ويعتقد أنّ الرّحمة هى ما يجب أن تقدّمه الكنيسة لهذا العالم الجريح بسبب الفقر والمشاكل الاجتماعيّة وحالات الاستعباد العديدة فى الألفيّة الثالثة، فالرّحمة هى الحجر الأساس فى السنة المقدّسة التى بدأها البابا قبل عيد الميلاد، باعتبارها مركز نشاطات الكنيسة ونشاطاته هو على مدى الأشهر الإثنى عشرة المقبلة.
ويقول البابا أيضًا: "لدى علاقة خاصّة بالأشخاص فى السّجون والمحرومين من حريّتهم، أشعر بالانجذاب إلى هؤلاء لمعرفتى ما معنى أن يكون المرء مخطئًا، فكلّما عبرت بوابة سجن لزيارة أو لقداس كنت أفكر دائمًا: لماذا هم وليس أنا؟ كان يجب أن أكون هناك، أستحقّ أن أكون هناك، كان فى الإمكان أن أعيش سقوطهم، وأنا لا أشعر بأنّنى متفوّق على هؤلاء الأشخاص الذين يقفون أمامى".