"الحب – أعزك الله – أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصّف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر فى الديانة ولا بمحظور فى الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل"، هذه أشهر جملة فى كتاب الفقيه ابن حزم الأندلسى "طوق الحمامة فى الألفة والألاف"، وفيه عرف "الإمام" الحب بأنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخليقة فى أصل عنصرها الرفيع،
والكتاب من أشهر الكتب التى تناولت موضوع الحب عبر التاريخ. وقد اكتسب شهرة واسعة وتُرجم إلى عدة لغات فى المشرق والمغرب، كتبه ابن حزم الأندلسى، أحد أشهر علماء وفقهاء عصره فى الأندلس، قبل ألف عام استجابة لرغبة صديقٍ محب طلب منه أن يصنف له "رسالة" فى صفة الحب ومعانيه وأسبابه وأعراضه، وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة.
وأورد الكتاب ذكر كثير من رجال الدين ومن الصالحين والفقهاء فى الدهور الماضية الذين تحدثوا عن الحب وكتبوا فيه الأشعار، ومنهم عبيد الله عتبة بن مسعود وشعره وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، وكذلك قول ابن عباس، هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود، كما ذكر ابن حزم قصص لحب الخلفاء المهديين والأئمة الراشدين، وكثير من الخلفاء سيما من حكم الأندلس، والعلماء الصالحين والفقهاء
والمحبة كما يؤكد ابن حزم أنواع منها محبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبة بلوغ للذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق التى لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس، فكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها وزائدة بزيادتها وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها فاترة ببعدها. حاشى محبة العشق الصحيح الممكن من النفس فهى التى لا فناء لها إلا بالموت، فالنفس حسنة وتولع بكل شىء حسن.
ومن علامات الحب، إدمان النظر فالعين باب النفس، وهى المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها والمعربة عن بواطنها، فترى الناظر لا يطرف، يتنقل بتنقل المحبوب وينزوى بانزوائه، ويميل حيث مال، كذلك الإقبال بالحديث، والإسراع بالسير نحو المكان الذى يكون فيه، ومنها بهت يقع وروعة تبدو على المحب عند رؤية من يحب فجأة وطلوعه بغته، ومنها اضطراب يبدو على المحب عند رؤية من يشبه محبوبه أو عند سماع اسمه فجأة، ومنها أن يجود المرء ببذل كل ما كان يقدر عليه مما كان ممتنعاً به قبل ذلك، ومن علاماته وشواهده الظاهرة لكل ذى بصر الانبساط الكثير الزائد، والتضايق فى المكان الواسع عند غياب المحبوب، والمجاذبة على الشيء يأخذه أحدهما، وكثرة الغمز الخفي، والميل بالاتكاء، وتعمد لمس اليد عند المحادثة، ولمس ما أمكن من الأعضاء الظاهرة. وشرب فضلة ما أبقى المحبوب فى الإناء، والسهر.
ويعتمد كتاب على قصص وأخبار شهدها ابن حزم أو نُقلت إليه، وذلك أنه قد تربى فى بيئةٍ تزخر بالنساء والجوارى وهنَّ من علّمنه وأدّبنه فكان أن اطلع على الكثير من أسرارهنَّ والخبايا المتعلقة بهن، وهو إلى ذلك يزخر بالكثير من الأبيات الشعرية التى صاغها ابن حزم شواهد على فكرة أو معنى أو قصة ذكرها.