"هذه أوراق حقيقية، دم طازج ينزف من جرح جديد، كتابتها كانت بديلاً للانتحار".. بتلك الكلمات وصف الكاتب والروائى علاء الديب، كتابه "وقفة قبل المنحدر.. من أوراق مثقف مصرى"، فالكتاب يرصد ثلاثين عاماً من التجارب الصعبة والمريرة التى مر بها الكاتب الذى رحل عن عالمنا يوم الجمعة الماضية.
ويعد الكتاب علامة بارزة تجسد الاغتراب الذى شعر به مثقف ما بعد ثورة يوليو، والتقلبات التى أطاحت بأحلام ذلك الجيل، عبر ثلاثين عاماً.
ويقول علاء الديب "تغيرت معانى الكلمات ووجوه الناس، وخطوط الأفق فى القرى والمدن.. تغير الصوت والصدى، الظاهر والباطن حتى النخاع، والتغير سُنة الكون منذ كان، لكننى أعتقد أن التغير لم يكن يحدث من قبل بهذه القسوة، والسرعة، والفظاعة"، ويفسر ذلك خلال فصول الكتاب الذى يتناول الفترة التى تقع بين السنوات من 1952 إلى 1982، بما رافقها من تقلبات وتغيرات وعدم استقرار، ليصفها الناس بأن كل يوم له شيطان، لا يكمل الأعمال ويهدم الأحلام، ويشعل الصراع بين الناس ويستهلكهم فى يومهم فلا يصلون لأى شىء فى النهاية.
ويركز "الديب" فى كتابه على أزمة المثقفين والاغتراب الذى يشعرون به أمام الظروف والإمكانيات والواقع وإجهاض أحلامهم بتغيير العالم، فالألم الذى يشعر به المثقفين كبيراً خاصةً فى بلد لا يأبه بوجود العلم أو الثقافة، فضلاً عن أنهم أكثر من يشعرون بمظاهر التخلف من خلال معايشتهم التجارب الحية فيدركون حجم المآسى التى يعيش فيها المجتمع.
فيقول الكاتب فى كتابه "وقفة قبل المنحدر"، المثقف تركيبة غريبة تطمح دائماً إلى أن تعيش فى المعانى المطلقة والمجردة للأشياء، أقدامه مغروسة فى طين الواقع، وعيونه الفاحصة المدربة قادرة على اكتشاف أصغر ما فى واقعه من متناقضات مزعجة، احساسه المركب المعقد، قادر على تكبير الأخطاء.. الأدهى والأمر أن أغلى أخلام المثقف مرتبطة بفهم الواقع، بل وبالعمل على تغييره وضعه المعلق دائماً بين الحلم والواقع، يجعل منه وتراً مشدوداً".
يشعر علاء الديب فى حياته والتى نقل بعضاً منها على أوراق الكتاب، بإنه إنسان حائر ووحيد، يصف عالمه بـ"محيط من الغربة والحزن"، ويصف أحلامه بأنها ميتة ويائسة ولا سبيل لتحقيقها، وإذا فكر فى القيام بثورة على كل ذلك سيفشل فى النهاية حيث يقول "فى الفكر والأحلام، كنت اشعر أننى أمتلك الثورة، وأننى صاحبها ولكن الممارسة فى الواقع كانت تؤكد لى أن للثورة أصحاباً آخرون.. لقد تم بسرعة تأميم كلمة " الثورة "، دون أن تعيش حرة قوية فى النفوس. لا أعرف كلمة أكثر قدرة على إيقاظ البشر من كلمة الثورة، إنها تعنى القدرة على التغير، والحماس، ووضوح الهدف، وامتلاك الوسائل للفعل والحرية فى الإقدام عليه.. ولكن سرعان ما تتحول الثورات إلى "أنظمة" و"أجهزة" و"مصالح".
و"علاء الدين حسب الله الديب" هو أديب مصرى ولد عام 1939، فى حى مصر القديمة بالقاهرة، حصل على ليسانس الحقوق بجامعة القاهرة عام 1960، وحاز على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام 2001.