هل تذوقت الأصالة من قبل؟ إذا لم تفعل عليك بالعيش المخبوز في فرن الطينة فطعمه يعود بك لزمن تحن الأنفاس لاستنشاقه؛ هناك من تحرص على عادة خبز العيش في الفرن البلدي حتى الآن ومنهم الجدة كريمة إحدى سيدات قرية شكشوك بمحافظة الفيوم، والتي قالت"العيش في الفرن الطين طعمه أحلى كتير".
في يوم خبيزها تستيقظ "كريمة" في الصباح الباكر مع شروق الشمس هي وزوجات أبنائها وأحفادها كأنه يوم عيد؛ حيث تبدأ في نخيل الدقيق ثم تسخين المياه وصبها على الدقيق مع ذرة ملح وقطعة من الخميرة ثم تعجن الدقيق هي تارة وزوجة ابنها تارة أخرى، وبعدا يقطع ويترك ليخمر.
بعد ثلاث ساعات تقريبًا تراها جالسة أما الفرن البلدي المصنوع من الطين اللبن؛ تشعل النار في الحطب لـ"تحمي الفرن" وتقلبه بالسيخ الحديدي؛ ويصعد الدخان من فوق البيت فتعرفن سيدات القرية أنها تخبز فتأتى كل واحدة منهن وتعرض عليها المساعدة أو تجلس بجوارها ليتناولوا أطراف الحديث في أمور حياتهم المتشابهة.
في مشهد أخر، تتبدل الأماكن وتجلس زوجة الابن أمام الفرن وتجلس الجدة كريمة بجوارها؛ ممسكة بـ"المطرحة الخشبية" وتبدأ في "رح" قطع العجين ثم تتناولها زوجة الابن لتقي بها داخل الفرن لينضج العجين، هذا وأحفادها يجلسون بجوارها في انتظار الرغيف الأول ليلتقطه أحدهم ويقوم بتقسيمه عليهم جميعًا؛ وتصرح الجدة حين إذ "كفاية كده".
تقوم الجدة كريمة بخبيز ما يقرب من 40 كيلو دقيق كل 15 أو 20 يومًا ليكفى العائلة فلديها خمس أبناء وبنتين وعشرون حفيد، تحكي الجدة قائلة: زوجي وجميع أبنائي يعملون في صيد الأسماك، حين كانت بحيرة قارون تزج بأنواع الأسماك المختلفة كان الخير كثير وكانت الأحوال غير الأحوال، ولكن بعد الذي أصابها وبخلت علينا بخيرها، لم يجد زوجي وأبنائي سوى الذهاب إلى بحيرة ناصر في أسوان، ويأتون إلينا في أجازاتهم كل شهر لمدة أسبوع تقريبًا، فهذا حالنا وحال كل الأسر في قريتنا.
رغم أن حالتها الاجتماعية بسيطة للغاية، فليس لديها الأجهزة المنزلية الأساسية الموجودة في أي حاليًا من"ثلاجة، بوتوجاز، تليفزيون " كما تقول إلا أنها لا تتمنى سوى الستر من الله عز وجل .